الأربعاء، 30 أكتوبر 2019

"سماسرة التصاريح"... ظاهرة تتّسع في الضفّة الغربيّة ومحاولات لمحاربتها


أحمد أبو عامر – المونيتور

مدينة غزّة، قطاع غزّة — يعاني سوق العمل في الأراضي الفلسطينيّة من ظاهرة قديمة جديدة يطلق عليها اسم "سماسرة التصاريح"، وهم عبارة عن وسطاء بين العمّال الفلسطينيّين ومشغّليهم في إسرائيل، يتقاضى بموجبها أولئك الوسطاء مبالغ ماليّة من العامل الواحد تتراوح بين 2500 و3000 شيكل (714-857 دولاراً أميركيّاً) كلّ شهر، مقابل حصول العامل على تصريح للعمل داخل إسرائيل.

الظاهرة، التي أخذت بالتوسّع في الأعوام الثلاثة الأخيرة، أصبح من يعملون فيها لديهم مكاتب خاصّةفي الضفّة الغربيّة، الأمر الذي دفع بالحكومة الفلسطينيّة إلى إصدار قرارفي 15 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري، لوقف تلك الظاهرة بكلّ الوسائل، وذلك بهدف الحفاظ على حقوق العمّال الفلسطينيّين وحمايتهم قانونيّاً، في ظلّ غياب قوانين فلسطينيّة واضحة تمنع تلك الظاهرة.

وفي هذا السياق، أصدر وزير العمل الفلسطينيّ نصري أبو جيش، في 15 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري، بياناًأوضح فيه خطوات الحكومة لوقف تلك الظاهرة، تتمثّل بتعديل المادّة رقم (2) من قرارمجلس الوزراء الفلسطينيّ رقم (9) لسنة 2009، والمتعلّق بنظام مكاتب التشغيل الخاصّة، بحيث تضاف فقرة جديدة على النحو الآتي: "يحظّر ممارسة الوساطة في خدمات التشغيل من قبل أيّ شخص طبيعيّ أو معنويّ بشكل يخالف أحكام وشروط هذا النظام".

وأوضح نصري أبو جيش أنّ تعديل تلك المادّة يتضمّن أيضاً فقرة تجيز للعامل المتضرّر ملاحقة الشخص الوسيط قضائيّاً واسترداد المبالغ التي دفعها من دون وجه حقّ.

تصاريح العمل التي تصدرها إسرائيل مجّاناً للفلسطينيّين، يقدّر عددهابـ100 ألف تصريح سنويّاً، وتضع إسرائيل شروطاًلمنح تلك التصاريح تتمثّل بأن يكون الشخص قد تخطّى الـ22 عاماً من عمره، وأن يكون متزوّجاً، وألاّ يسري عليه أيّ منع أمنيّ، والأخير هو إجراء تقوم به الجهات الأمنيّة الإسرائيليّة للتأكّد من أنّ الشخص لم ينخرط في أيّ أعمال عدائيّة ضدّ إسرائيل.

وكشف المدير العام للتشغيل في وزارة العمل الفلسطينيّة رامي مهداوي لـ"المونيتور" عن قيام وزارته برفع العديد من القضايا إلى الجهات الفلسطينيّة المختصّة خلال الأشهر الأخيرة، وتحديداً وزارة الداخليّة، من أجل ملاحقة أشخاص فلسطينيّين يقومون باستغلال حاجة العمّال الفلسطينيّين للحصول على تصريح عمل في إسرائيل، متوقّعاً أن تشهد الفترة القريبة المقبلة إجراءات قضائيّة رادعة ضدّ أولئك السماسرة.

وبيّن رامي مهداوي أنّ الخسائر التي يتكبّدها العامل الفلسطينيّ من جرّاء تلك الظاهرة كبيرة، إذ يتمّ حرمانه من نصف معاشه الشهريّ، إضافة إلى حرمانه من التسجيل بشكل رسميّ لدى الدوائر الفلسطينيّة المختصّة على أنّه عامل. وبالتّالي، يفقد حقّه في التأمين الصحيّ ومدخّرات نهاية الخدمة والتعويض عن الإصابة أثناء العمل وغيرها، لافتاً إلى أنّ الوزارة تلقّت شكاوى عدّة من قبل عمّال تمّ استغلالهم من قبل السماسرة.

وأوضح أنّ أولئك الوسطاء تعدّوا على عمل المؤسّسات الحكوميّة الفلسطينيّة في قضيّة تصاريح العمل، إذ أنّ مهمّة القيام بإجراءات الحصول على تصريح للعمل في إسرائيل تتمّ من خلال تقديم العامل طلباً رسميّاً في مديريّات وزارة العمل المنتشرة في المحافظات، والتي تقوم بالتواصل مع الجهات الحكوميّة الأخرى كوزارة الشؤون المدنيّة لتسهيل الحصول على تلك التصاريح من إسرائيل.

ونظّمت اتفاقيّة باريس الاقتصاديّة الموقّعة بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين خلال عام 1994، في مادّتها رقم 37، دخول العمال الفلسطينيّين إلى إسرائيل عبر الجهات الرسميّة الفلسطينيّة، وذلك بهدف ضمان حصول العمّال على حقوقهم العماليّة كاملة، والتي نصّت عليها المادّة رقم 38 من الاتفاقيّة.

من جهته، أكّد الناطق الإعلاميّ باسم هيئة الشؤون المدنيّة الفلسطينيّة وليد وهدان لـ"المونيتور" أنّهم الجهة الفلسطينيّة الوحيدة المخوّلة التواصل مع إسرائيل لتسهيل حصول المواطنين الفلسطينيّين على تصاريح العمل أو العلاج وغيرها، متّهماً الجهات الرسميّة الإسرائيليّة بغضّ الطرف عن استغلال أرباب العمل الإسرائيليّين للعمّال الفلسطينيّين.

وبيّن أنّ إسرائيل تقوم بإصدار التصاريح لجهتين فقط، هما: الشؤون المدنيّة الفلسطينيّة التي تقوم بتقديم كشوف بأسماء من يريدون الحصول على تصاريح، وأرباب العملفي إسرائيل الذين يحصلون على عدد من تلك التصاريح بشكل قانونيّ ويقومون بالتواصل مع العمّال الفلسطينيّين بشكل مباشر أو من خلال وسطاء.

وحذّرت وحدة تنسيق الأعمال الإسرائيليّة في المناطق الفلسطينيّة من تلك الظاهرة، وأعلنرئيسها كمال أبو ركن في كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2018، أنّهم يقومون بمحاولات لمحاربة تلك الظاهرة واعتماد طريقة تشغيل جديدة تتمثّل بإقامة علاقة مباشرة بين العامل الفلسطينيّ والمشغّل الإسرائيليّ بشكل يلغي الحاجة إلى أولئك الوسطاء.

واعتبر أحد سماسرة التصاريح الذي تواصل معه "المونيتور"، وفضّل عدم كشف هويّته، خوفاً من الملاحقة، أنّ المبالغ الماليّة التي يتلقّاها من الراغبين في الحصول على تصريح هي مقابل الجهد الذي يقوم به من أجل استخراج تلك التصاريح في فترة زمنيّة قصيرة لا تتجاوز الأسبوع، لافتاً إلى أنّ الكثير من العمّال الذين لجأوا إليه تقدّموا بطلبات منذ أشهر للحصول على تصريح عمل عبر الدوائر الرسميّة الفلسطينيّة ولم يتمكّنوا من الحصول عليها، إما بسبب المنع الأمنيّ من قبل الدوائر الأمنيّة الإسرائيليّة وإمّا بسبب الإهمال في الدوائر الحكوميّة الفلسطينيّة.

وشدّد على أنّ المبالغ التي يتلقّاها تقسّم مناصفة بينه وبين أرباب العمل في إسرائيل الذين يحصل من خلالهم على تصاريح العمل للفلسطينيّين.

وقدّر الأمين العام لاتّحاد نقابات عمّال فلسطين شاهر سعد في حديث لـ"المونيتور" خسائر الاقتصاد الفلسطينيّ بسبب تلك الظاهرة بأكثر من مليار دولار سنويّاً، مشيراً إلى أنّ تلك الظاهرة تمثّل انتهاكاً لاتفاقيّة باريس الاقتصاديّة واتفاقيّات العمل الدولية، والتي لا تجيز دفع طالب العمل مبالغ ماليّة مقابل الحصول على فرصة عمل. 

وأظهر تقريرصادر عن "الجهاز المركزيّ للإحصاء الفلسطينيّ" في شباط/فبراير الماضي، أنّ عدد العمّال الفلسطينيّين في إسرائيل خلال عام 2018، بلغ 127 ألف عامل، 59 في المائة منهم لديهم تصاريح عمل و30 في المائة يعملون من دون تصاريح.
من الصعب التكهّن ما إذا ستنجح المؤسّسات الفلسطينيّة في محاربة ظاهرة سماسرة تصاريح العمل، وذلك في ظلّ غياب القوانين الرادعة، ناهيك عن عدم تحكّمها في آليّة إصدار تلك التصاريح.



الثلاثاء، 22 أكتوبر 2019

الفلسطينيون يحثون الخطى للانضمام لاتفاقية "أغادير" الاقتصادية


أحمد أبو عامر – المونيتور

مدينة غزة، قطاع غزة: تواصل الحكومة الفلسطينية خطواتها للانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل، وجاءت آخر تلك الخطوات في طلب وزير الاقتصاد الفلسطيني خالد العسيلي في 9 أكتوبر الجاري، جمهورية مصر العربية بدعم ملف فلسطين للانضمام بشكل نهائي لاتفاقية "أغادير" الاقتصادية.

وحصل الفلسطينيون في 23 مارس 2017، على الموافقة المبدئية من لجنة خارجية الدول الأطراف في تلك الاتفاقية للانضمام إليها وهي المغرب وتونس ومصر والأردن، وأوصت اللجنة بأن يتم استكمال بروتوكولات الانضمام خلال مدة أقصاها 6 أشهر ليتم رفع توصيات لجنة كبار مسؤولي التجارة الخارجية إلى وزراء الخارجية للاعتماد والتوقيع، وينتظر الفلسطينيون اجتماع وزراء خارجية تلك الدول -والذي لم يحدد تاريخه بعد- بهدف الموافقة النهائية على الانضمام.

اتفاقية أغادير والتي وقعت في فبراير 2004، أفسحت المجال في مادتها الأولى بانضمام أي دول عربية لها، وتهدف تلك الاتفاقية إلى إنشاء منطقة تبادل حر بين تلك البلدان من أجل تطوير النشاط الاقتصادي ودعم التشغيل، وزيادة الإنتاج، وتحسين المستوى المعيشي داخل الدول الأطراف.

ويهدف الفلسطينيون من الانضمام لتلك الاتفاقية في توسيع تجارتهم مع الدول العربية على حساب إسرائيل، والتي تذهب غالبية الصادرات الفلسطينية إليها، بالإضافة إلى استفادتهم من الإعفاء الجمركي للكثير من السلع المصدرة أو المستوردة للبلدان الموقعة على الاتفاقية وهو ما ينعكس إيجاباً على الصناعات في تلك البلدان.

وزير الاقتصاد الفلسطيني خالد العسيلي أكد في حديث مع "المونيتور" أنه طلب من وزير التجارة والصناعة المصري عمرو نصار في 9 أكتوبر الجاري، الحصول على دعم مصر في سرعة حصول فلسطين على الموافقة النهائية للانضمام لاتفاقية "أغادير"، مشيراً إلى الوزير المصري وعد بالتوجه للمستوى السياسي المصري لتسريع انضمام فلسطين للاتفاقية من خلال طلب عقد اجتماع وزراء خارجية الدول الموقعة على الاتفاقية.

وتنص المادة الثلاثون من الاتفاقية على أنه "يمكن لكل دولة عربية عضو في جامعة الدول العربية ومنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى (..) طلب الانضمام إلى هذه الاتفاقية، ويتم ذلك بموافقة جميع الدول الأطراف في لجنة وزراء الخارجية".

المدير العام للإدارة العامة للتخطيط والسياسات في وزارة الاقتصاد الفلسطينية عزمي عبد الرحمن ذكر لـ"المونيتور" أن الفلسطينيين يعولون كثيراً على الانضمام للاتفاقية، كخطوة مهمة في خطة الحكومة الفلسطينية الاستراتيجية بالانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل.

وأوضح أن جهود الحكومة الفلسطينية في الآونة الأخيرة انصبت باتجاه عقد اتفاقات اقتصادية ثنائية مع العديد من الدول العربية وفي مقدمتها الأردن والعراق والمغرب ومصر، والانسحاب بشكل تدريجي من العلاقة الاقتصادية مع إسرائيل، والتي اتهمها بوضع الكثير من العراقيل أمام نمو الاقتصاد الفلسطيني.

وقدر عبد الرحمن حجم الصادرات الفلسطينية لدول العالم بأكثر من مليار سنوياً، مشيراً إلى أن 15 بالمائة من تلك الصادرات تذهب للأسواق العربية، والـ 85 بالمائة تذهب للسوق الإسرائيلية وبعض الأسواق العالمية، فيما تستورد فلسطين سلع بقرابة 5.8 مليار دولار سنوياً، 55 بالمائة من تلك السلع والبضائع يتم استيرادها من إسرائيل.

وشدد على أن برتوكول باريس الاقتصادي الموقع بين إسرائيل والفلسطينيين عام 1994، كبل نمو الاقتصاد الفلسطيني ويكبده خسائر فادحة تقدر بـ 7 مليارات دولار سنوياً، جراء منع إسرائيل للفلسطينيين من استغلال المناطق المصنفة (ج) أو استغلال مواردهم الطبيعية، ناهيك عن منع إسرائيل لعشرات السلع من دخول السوق الفلسطينية بحجة الاستخدام المزدوج.

البنك الدولي وفي تقرير صادر عنه في 17 أبريل الماضي، ذكر أن تخفيف القيود المفروضة على السلع ذات الاستخدام المزدوج من شأنه أن يضيف 6 بالمائة إلى حجم الاقتصاد في الضفة الغربية و11 بالمائة إلى الاقتصاد في قطاع غزة في حلول عام 2025.

رئيس اتحاد الصناعات الفلسطينية بسام ولويل أوضح لـ"المونيتور" أن القطاع الخاص الفلسطيني ينتظر بفارغ الصبر حصول دولة فلسطين على الموافقة النهائية للانضمام للاتفاقية وبدء الإجراءات الفعلية من أجل توسيع تجارتهم الخارجية باتجاه الدول العربية، وتحديداً تلك التي تعفي السلع والمنتوجات الفلسطينية من الضرائب الجمركية.

وأوضح أن المعيقات الإسرائيلية في طريق نمو الاقتصاد الفلسطيني تحتم عليهم البحث عن أسواق جديدة، مشيراً إلى أن أبرز تلك المعيقات تتمثل في الضرائب الجمركية الباهظة، وكذلك عمليات التفتيش للسلع على المعابر التجارية مع إسرائيل والتي تؤدي في كثير من الأحيان إلى فساد المنتوجات وتحديداً الغذائية أو الزراعية.

وكانت الحكومة الفلسطينية قد قامت مؤخراً بزيارات للعديد من البلدان العربية ومنها الأردن بداية يوليو الماضي، والعراق منتصف يوليو الماضي، ومصر في أكتوبر الجاري، بهدف إحلال البضائع العربية على حساب البضائع الإٍسرائيلية في السوق الفلسطينية.

من جانبه، تمنى المدير العام لمجموعة "الحداد" للاستثمار والتعدين في الخليل نظمي الحداد خلال حديث مع "المونيتور" أن تنجح خطوات الحكومة الفلسطينية بالانضمام لاتفاقية "أغادير"، منوهاً إلى أن فتح الأسواق العربية أمام الصناعات الفلسطينية تساهم بشكل أكبر في نمو الاقتصاد الفلسطيني.

وبين أن شركته تصدر حالياً منتوجات الحديد والصلب للأردن فقط، وذلك بسبب المعيقات الإسرائيلية من جانب، وغياب الاتفاقيات الثنائية الفلسطينية مع الكثير من البلدان العربية من جانب آخر، لافتاً إلى أن حجم تصدير شركته للأردن يبلغ 3 ملايين دولار سنوياً.

وقال الحداد: "أستطيع أن أقوم بتصدير أضعاف ما أقوم بتصديره الآن للأردن، ولكن الضرائب الإسرائيلية التي تفرض على الصادرات الفلسطينية أدت إلى عزوف الكثير من الشركات الأردنية عن استقبال ما أقوم بصناعته، فإسرائيل تأخذ ضريبة تقدر بـ 200 دولاراً على كل شاحنة".

وتوافق مدير العلاقات العامة والتسويق في شركة "الوفاء" للصناعات البلاستيكية بالخليل طارق أبو الفيلات في حديث مع "المونيتور" مع سابقه في أن أي اتفاقية تسهل دخول البضائع الفلسطينية للأسواق العربية مهمة وتساهم في انعاش الاقتصاد الفلسطيني وخلق المزيد من فرص العمل للعاطلين.

الخطوات الفلسطينية للانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل واحلال البضائع العربية بدل الإسرائيلية بدأت تجد معارضةً إسرائيلية، وكان آخرها تهديد إسرائيل في 12 أكتوبر الجاري، بوقف إدخال المنتوجات الزراعية الفلسطينية للسوق الإسرائيلية إذا ما استمر الفلسطينيون في منع إدخال السلع الإسرائيلية للسوق الفلسطينية.



الخميس، 17 أكتوبر 2019

فلسطين تبدأ خطوات ترسيم حدودها البحريّة


أحمد أبو عامر – المونيتور

مدينة غزّة، قطاع غزّة — تواصل دولة فلسطين خطواتها الإجرائيّة والقانونيّة لترسيم الحدود البحريّة الفلسطينيّة، وجاءت آخر تلك الخطوات بتسليم وزير الخارجيّة الفلسطينيّة رياض المالكي في 8 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري، الأمين العامّ لجامعة الدول العربيّة أحمد أبو الغيط ملفّاً قانونيّاً أعدّته الحكومة الفلسطينيّة حول الترسيم.

جاءت الخطوة التي تهدف إلى ترسيخ الصفة القانونيّة، وتعزيز مكانة دولة فلسطين حول العالم، ضمن سلسلة خطوات قامت بها الحكومة الفلسطينيّة خلال السنوات الأخيرة، والتي كان من ضمنها تشكيل الفريق الوطنيّ لترسيم الحدود البحريّة الفلسطينيّة، في حزيران/يونيو 2017، وسبق ذلك انضمام فلسطين في عام 2015، إلى اتّفاقية الأمم المتّحدة الخاصّة بقانون البحار لعام 1982.

وشاركت فلسطين وللمرّة الأولى في اجتماع الدول الموقّعة على اتّفاقيّة قانون البحار في حزيران/يونيو 2015، والذي عقد في نيويورك، وأكّدت خلال الاجتماع أنّها ملتزمة بتحمّل مسؤوليّاتها بموجب الاتّفاقيّة، وضمان حقوق الأشخاص في الاستفادة من الموارد الطبيعيّة والحفاظ على البيئة.

أكّد وزير الخارجيّة الفلسطينيّ المالكي وفي مؤتمر صحافيّ عقده عقب تسليم الملفّ الفلسطينيّ إلى الجامعة العربيّة في 8 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري، أنّ وفداً رسميّاً فلسطينيّاً أودع في نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، نسخة من الملفّ الذي تضمّن خرائط وإحداثيّات الحدود البحريّة الفلسطينيّة، لدى الأمم المتّحدة.

وأضاف المالكي: "طلبنا من الأمين العامّ للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش تعميم تلك الخرائط والإحداثيّات على الدول الأعضاء في الأمم المتّحدة، لكي تساعدنا في مساعينا لترسيم الحدود البحريّة، خصوصاً ما يتعلّق بالمنطقة الاقتصاديّة الخالصة، والتي من حقّ دولة فلسطين استغلالها واستثمارها والتنقيب فيها".

أكّد مسؤول في وزارة الخارجيّة الفلسطينيّة، فضّل عدم الكشف عن هويّته، في حديث إلى "المونيتور" أنّ الهدف من إيداع الخرائط والإحداثيّات لدى الأمم المتّحدة والجامعة العربيّة هو تعريف العالم بالمناطق البحريّة الفلسطينيّة، وتوفير دلائل تثبت أنّ إسرائيل تنتهك المناطق البحريّة الفلسطينيّة، وتحديداً أمام سواحل قطاع غزّة، وتقوم بسرقة الموارد الطبيعيّة الفلسطينيّة وفي مقدّمتها الغاز الطبيعيّ.

وشدّد المصدر على أنّ خطوة ترسيم الحدود البحريّة ستتبعها خطوات أخرى تتمثّل في اللجوء إلى محاكم دوليّة للتحكيم إذا استمرّت إسرائيل في عرقلة جهود الفلسطينيّين لاستخراج مواردهم الطبيعيّة من البحر واستغلالها، مشيراً إلى أنّ اتّفاقيّة قانون البحار التابعة إلى الأمم المتّحدة تعطي لكلّ دولة الحقّ في استكشاف الموارد الطبيعيّة في المنطقة الاقتصاديّة الخاصّة بها واستخراجها.

وبيّن أنّ العديد من حقول الغاز المكتشفة وغير المكتشفة في المنطقة الفلسطينيّة المقابلة لساحل قطاع غزّة تقوم إسرائيل بسرقة الغاز الموجود فيها منذ سنوات، فيما تضع عراقيل أمام الفلسطينيّين لاستخراج الغاز من حقل "غزّة مارين 1" المقابل لشواطئ قطاع غزّة والذي تمّ اكتشافه في عام 1998.

منحت السلطة الفلسطينيّة منذ عام 1998 عقداً حصريّاً لشركة "بريتش غاز" البريطانيّة، وكذللك شركة "CCC" الفلسطينيّة للتنقيب عن الغاز الطبيعيّ في البحر مقابل شواطئ قطاع غزّة، ونجحت الشركتان في اكتشاف حقلين أطلق عليها اسم "غزّة مارين 1" ويقع مقابل شواطئ قطاع غزّة مباشرة، و"غزّة مارين 2" والذي يقع على الحدود المشتركة مع إسرائيل، وتوقّعت الشركة البريطانيّة سعة ما يحتويه حقل "غزّة مارين 1" قرابة الـ1.4 ترليونات قدم مكعّب.

وأظهر تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتّحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" في 10 أيلول/سبتمبر الماضي، أنّ احتلال إسرائيل المناطق الفلسطينيّة حرم الفلسطينيّين من استغلال مواردهم الطبيعيّة، وقدّر التقرير الخسائر بمليارات الدولارات، متوقّعاً ارتفاع الخسائر الاقتصاديّة واستمرارها في الفترة المقبلة.

من جانبه، ذكر مدير وحدة الموارد الطبيعيّة وحقول الغاز في شركة "مصادر لتطوير الموارد الطبيعيّة" الفلسطينيّة والتابعة إلى صندوق الاستثمار الفلسطينيّ محمّد عورتاني في حديث إلى "المونيتور" أنّ تقديم السلطة الفلسطينيّة ملفّ ترسيم الحدود البحريّة إلى الأمم المتّحدة وجامعة الدول العربيّة سيشجّع على جلب الاستثمارات إلى الأراضي الفلسطينيّة، وتحديداً في حقول الغاز المكتشفة قرب السواحل الفلسطينيّة.

وأوضح عورتاني أنّ تلك الخطوة ستسارع أيضاً في اتّجاه تطوير المشاريع الاستراتيجيّة الفلسطينيّة للمصادر الطبيعيّة، بما فيها حقول الغاز، والتي يمكن لها أن تساهم في شكل كبير وفعّال في توفير مصادر طاقة دائمة للفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة.

وأجرت السلطة الفلسطينيّة مباحثات مع جمهوريّة مصر العربيّة في حزيران/يونيو 2016، كالدولة الأولى التي تشترك معها في الحدود البحريّة لترسيم الحدود بينهما، فيما يتوقّع أن تبحث في المستقبل القريب ترسيم الحدود مع قبرص، على أن تلجأ إلى أطراف دوليّة للتدخّل من أجل ترسيم الحدود مع إسرائيل، وذلك في ظلّ عدم انضمام الأخيرة إلى اتّفاقيّة قانون البحار.

اعتبر أستاذ القانون الدوليّ في جامعة القدس في الضفّة الغربيّة حنّا عيسى في حديث إلى "المونيتور" أنّ المعضلة الأبرز التي تواجه الفلسطينيّين هي عدم انضمام إسرائيل إلى قانون البحار التابع إلى الأمم المتّحدة، والتي تجبرها على ترسيم حدودها البحريّة مع الدول المجاورة لها، مشيراً إلى أنّ إسرائيل تنتهك قواعد القانون الدوليّ في السيطرة على الموارد الفلسطينيّة البحريّة، كون المنطقة الاقتصاديّة المقابلة لشواطئ قطاع غزّة هي ملك للفلسطينيّين.

وأوضح عيسى أنّ إسرائيل تعرقل أيّ خطوات فلسطينيّة منذ عام 1998، لاستخراج الغاز أو أيّ من المواد الطبيعيّة الفلسطينيّة المكتشفة في المنطقة البحريّة الاقتصاديّة الفلسطينيّة، ناهيك عن حرمانها الصيّادين الفلسطينيّين من الصيد في شكل حرّ في المنطقة التي وافقت عليها أيضاً في اتّفاق أوسلو 1993، والتي تمتدّ حتّى 20 ميلاً بحريّاً.

من جانبه، وصف أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر في غزّة معين رجب لـ"المونيتور" خطوة السلطة الفلسطينيّة بترسيم حدودها البحريّة بـ"المتقدّمة"، لافتاً إلى أنّ الأهمّ هو التطبيق على أرض الواقع من خلال الضغط على الإسرائيليّين لترسيم الحدود البحريّة أو اللجوء إلى محاكم دوليّة للتحكيم في هذا الإطار، إن واصلت إسرائيل رفضها ترسيم الحدود.

ورأى رجب أنّ الموارد الطبيعيّة التي تحتويها المنطقة الاقتصاديّة البحريّة الفلسطينيّة من غاز وبترول كفيلة بسدّ حاجة الفلسطينيّين من إمدادات الطاقة، بل ومساعدتهم في التغلّب على الأزمات الماليّة التي تعصف بهم منذ إنشاء السلطة الفلسطينيّة وحتّى اليوم.

تبقى جهود الفلسطينيّين لترسيم حدودهم البحريّة أمام اختبار حقيقيّ خلال الفترة المقبلة، وتحديداً في المنطقة الحدوديّة المشتركة مع إسرائيل، لا سيّما في ظلّ فرض الأخيرة حصاراً بحريّاً على قطاع غزّة منذ 13 عاماً.



الأربعاء، 2 أكتوبر 2019

الضغط الشعبيّ يدفع بـ"حماس" إلى محاسبة نجل أحد قادتها وتغريمه ماليّاً


أحمد أبو عامر – المونيتور

مدينة غزّة، قطاع غزّة — نشرت حركة "حماس"، في 23 أيلول/سبتمبر الجاري، نتائج تحقيق أجرته في قضيّة شغلت الرأي العام الفلسطينيّ، وتمثّلت في سفر نجل أحد قادتها في 5 آب/أغسطس الماضي لأداء فريضة الحجّ ضمن المكرمة السعوديّة لأهالي الشهداء الفلسطينيّين الذين قتلوا في المواجهات المسلحة مع الجيش الإسرائيلي.

وعكست وسائل التواصل الاجتماعيّ رفض الشارع الفلسطينيّ لهذا الأمر، إذ اعتبر الكثير من النشطاء والمواطنين سفر أنس رضوان، وهو نجل القياديّ في "حماس" إسماعيل رضوان، ضمن المكرمة السعوديّة أنّه تعدّ على حقوق مستحقّي المكرمة، التي تخصّص لأهالي الشهداء -قرابة درجة أولى للشهيد-، علماً بأنّ أنس رضوان استفاد منها كون جدّه لأمّه أحد شهداء منظّمة التحرير الفلسطينيّة.

وأعلنت حركة "حماس"، إزاء حالة الرفض الذي أبداها الشارع الفلسطينيّ لسفر رضوان، في 7 آب/أغسطس الماضي، عن تشكيل لجنة تحقيق في القضيّة، وخلصت اللجنة إلى أنّ نجل أحد قادتها أخذ حقّاً ليس له (اتهمته حماس بأنه تحايل على أقربائه لأخذ مكانهم في السفر ضمن مكرمة الحج)، وقامت بتغريمه بمبلغ قدره 5 آلاف دينار أردنيّ (7 آلاف دولار أمريكي) يوزّع على الأشخاص الذين حرموا من السفر ضمن المكرمة.

المكرمة السعودية للحج تقدم من قبل العاهل السعودي سنوياً لـ 1000 شخص من أهالي الشهداء الفلسطينيين، يقومون بموجبها من أداء فريضة الحج بشكل مجاني، وتخصص بشكلٍ حصري لأقارب الشهداء الفلسطينيين من الدرجة الأولى (الأبناء أو الإخوة – ذكور وإناث).

وكان إسماعيل رضوان أشار في بيان صحافيّ صادر عنه بـ6 آب/أغسطس، إلى أنّ سفر نجله جاء كحقّ لعائلته في مكرمة الحجّ السنويّة التي تشرف عليها مؤسّسة رعاية أسر الشهداء والأسرى التابعة لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة، والتي اعتبرت مديرتها انتصار الوزير في تصريحات صحافيّة بـ6 آب/أغسطس، أنّ أنس رضوان تقدّم بأوراق تثبت تنازل أخواله وخالاته عن نصيبهم في المكرمة له والتي حصلوا عليها كون والدهم محمّد علي عبد القادر رضوان استشهد في بيروت خلال عام 1984، وهو ما نفته العائلة وأكّدت في بيان صحافيّ صادر عنها بـ7 آب/أغسطس الماضي، أنّها لم تعط أحداً تنازلاً عن المكرمة.

لقد لاقت نتائج التحقيق ترحيباً واسعاً في الشارع الفلسطينيّ، لا سيّما أنّ الجمهور لم يعتد على نشر الحركة نتائج التحقيقات التي تقوم بها إزاء المخالفات التي تقترفها قياداتها وعناصرها، إذ تقوم بمعالجتها بشكل داخليّ باستثناء بعض الحالات التي تثار إعلاميّاً وتصبح حديث الشارع الفلسطينيّ.

ولفت القياديّ في حركة "حماس" ورئيس اللجنة الاقتصاديّة في المجلس التشريعيّ عاطف عدوان خلال حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ المحاسبة هي نهج تتّبعه "حماس" داخل مؤسّساتها المختلفة منذ نشأتها، مشيراً إلى أنّ قضايا كثيرة عالجتها الحركة تتعلّق بتجاوزات عناصرها لم تنشر في الإعلام كونها شأناً داخليّاً في التنظيم.

وأوضح أنّ نشر نتائج التحقيقات في قضيّة أنس رضوان بشكل علنيّ جاء بعد أن أصبحت القضيّة قضيّة رأي عام وانتظر الشارع الفلسطينيّ موقف "حماس" من القضيّة المثارة، لافتاً إلى أنّ نتائج اللجنة نشرت بعد أن استمعت الأخيرة إلى الأطراف كافّة التي لها علاقة بالقضيّة، وأعطت كلّ ذي حقّ حقّه.

وشدّد عاطف عدوان على أنّ "حماس" بشعبيّتها الكبيرة وإدارتها لقطاع غزّة ينظر إليها الجمهور على أنّ من واجبها التحقيق في العديد من القضايا التي تُتّهم بها عناصرها أو مسؤولوها، لافتاً إلى أنّ الشارع الفلسطينيّ تلقّى بترحاب كبير نتائج التحقيقات حول قضيّة أنس رضوان.

وتواصل "المونيتور" مع أنس رضوان لأخذ تعقيبه على القضيّة، إلاّ أنّه رفض التحدّث، وأكّد أنّه يكتفي بالتصريح الصحافيّ الذي نشره في 23 أيلول/سبتمبر الجاري، وجاء فيه: "لقد تفاجأت بالبيان الصادر عن حركة حماس بخصوص حجّي لهذا العام، حيث أنّني أعبّر عن استهجاني لهذه الاتهامات، والتي لم تتّسم بالموضوعيّة، ولم تحقّق بها مؤسّسة أسر الشهداء، وهي صاحبة الشأن في هذا الموضوع".

أضاف: "هذه القرارات (الصادرة عن اللجنة) لم يتبع فيها أيّ إجراء قانونيّ صحيح، ورغم أنّ الإجراءات التي تمّت والمعاملات كلّها صحيحة وهي موجودة في مؤسّسة أسر الشهداء (..). إنّي أرفض سياسة التشهير والنيل من أعراضنا، وأطالب بتشكيل لجنة تقصّي حقائق من جهات الاختصاص الفعليّة في هذا الشأن لبيان الحقيقة لأبناء شعبنا".

وجاءت حالة الضغط الشعبيّ في القضيّة، وتحديداً من قبل مناصري حركة "حماس"، بعد أن أفسح قائد الحركة في غزّة يحيى السنوار نهاية أيلول/سبتمبر من عام 2017، المجال أمام الجمهور والصحافيّين للإبلاغ عن أيّ قضايا فساد، وتحديداً في المؤسّسات الحكوميّة بقطاع غزّة التي تدار من قبل وكلاء تابعين لحركة "حماس".

وأوضح طارق شمالي، وهو أحد النشطاء الذين ساهموا في إثارة القضيّة، خلال حديث لـ"المونيتور"، أنّ مواقع التواصل الاجتماعيّ ساهمت بشكل كبير في تسريع عمليّة المحاسبة، وقال: "رغم ذلك، لا أنفي وجود سلوك رقابيّ داخليّ لدى حركة حماس، ولكن في هذه القضيّة بالتحديد، فالفضل يعود إلى حالة المتابعة والمحاسبة التي قام بها الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ وشكّلت ضغطاً على قيادة حماس، خصوصاً أنّ الأمر يتعلّق بسلوك شخص قريب من قيادة الحركة".

وبيّن طارق شمالي أنّ نتائج التحقيق جاءت مقنعة للشارع الفلسطينيّ إلى حدّ ما، معتبراً إيّاها خطوة أولى، لافتاً إلى أنّ حالة الرضى التام من قبل الجمهور لا تكون إلاّ بجعل مبدأ الثواب والعقاب ثقافة تتّسم بالديمومة داخل أروقة الحكومة في قطاع غزّة وحركة "حماس".

وشدّد على أنّه سيواصل مهمّته مع آخرين من أمثاله في إثارة أيّ موضوع فيه شبهة فساد أو خطأ إداريّ يعود ضرره على الجمهور، وذلك بهدف التصحيح والمتابعة، وليس التشهير.

من جهته، اعتبر المحلّل السياسيّ والكاتب في صحيفة "دنيا الوطن" الإلكترونيّة ناصر الصوير في تغريدة عبر "تويتر" بـ23 أيلول/سبتمبر الجاري، أنّ اعتراف "حماس" بوجود أخطاء وتغريمها نجل أحد قادتها بمبلغ ماليّ كبير مؤشّران عظيمان على أنّ الشعب يستطيع أن يجبر الحكّام على الانصياع للحقّ والعدل.



مقاتلون بارزون في عرين الأسود يسلمون أنفسهم للسلطة

أحمد ابو عامر - المونيتور مدينة غزة، قطاع غزة – سلم المزيد من مقاتلي مجموعة عرين الأسود في نابلس أنفسهم للسلطة الفلسطينية،  وذلك في ظل الاتص...