مبرّرات
السلطة لتأجيل مشروع إدانة الاستيطان في مجلس الأمن لا تقنع الفلسطينيّين
أحمد
أبو عامر – المونيتور
مدينة غزّة، قطاع غزّة – أثار تأجيل السلطة الفلسطينيّة
تقديم مشروع قرار يدين الاستيطان
الإسرائيلي في مجلس الأمن الدوليّ والذي كان سيقدم نهاية شهر
أيلول/سبتمبر الماضي إلى ما بعد الانتخابات الرئاسيّة الأميّركيّة، انزعاجاً
فلسطينيّاً داخليّاً، لا سيّما في ظلّ اعتقاد البعض أنّ الفرصة سانحة الآن لتقديمه
جرّاء وجود إجماع دوليّ وأمميّ على إدانة
ذلك الاستيطان الذي ارتفع بنسبة 40% خلال النصف
الأول من عام 2016، مقارنةً بالنصف الثاني من عام 2015.
وأعلن رئيس السلطة محمود عبّاس في خطاب له في مقرّ
الأمم المتّحدة في 22 أيلول/سبتمبر الجاري أنّ السلطة سوف تطرح مشروعاً ضدّ
الاستيطان في مجلس الأمن الدوليّ وإرهاب المستوطنين، معتبراً أنّ تلك الممارسات
كانت سبباً في إفشال الجهود الدوليّة لتحقيق حلّ الدولتين.
وقال: "على الرغم من إصدار مجلس الأمن 12 قراراً ضدّ الاستيطان الإسرائيليّ في الأراضي
المحتلّة، إلّا أنّ عدم تنفيذ أيّ من هذه القرارات جعل إسرائيل تتمادى في
الاستيلاء على الأراضي الفلسطينيّة، بما فيها تلك التي في القدس الشرقيّة"،
معرباً عن أمله في ألّا يستخدم أحد الفيتو ضدّ هذا المشروع، وأن توفّر الأمم المتّحدة
الحماية للشعب الفلسطينيّ.
وسبقت ذلك دعوة مجلس الجامعة العربيّة على المستوى الوزاريّ
في أعمال دورته الـ146 في 8 أيلول/سبتمبر الجاري والتي عقدت في القاهرة، مجلس
الأمن إلى إصدار قرار لتجديد رفض سياسة الاستيطان الإسرائيليّ في الأراضي
الفلسطينيّة المحتلّة في عام 1967 وإدانتها، واعتبارها عقبة أساسيّة في طريق
السلام وحلّ الدولتين.
وكشف عضو اللجنة التنفيذيّة لمنظمّة التحرير أحمد مجدلاني
لـ"المونيتور" أنّ وجهة نظر قدّمت من قبل المجموعة العربيّة وبعض الدول
الصديقة (لم يسمّها) في مجلس الأمن لتأجيل تقديم القرار إلى ما بعد الانتخابات
الأميركيّة، على الرغم من عدم قناعة السلطة بذلك، مشيراً إلى أنّ المشاورات مع تلك
الدول قائمة لبلورة مشروع القرار، وتقديمه إلى مجلس الأمن قبل نهاية العام الجاري.
فيما شهدت العاصمة المصرية القاهرة في 3 أكتوبر الجاري اجتماعاً عربياً في مقر
جامعة الدول العربية بطلب فلسطيني من أجل مناقشة تقديم القرار لمجلس الأمن.
وبيّن أنّ مبرّرات المجموعة العربيّة والدول الصديقة في مجلس
الأمن تنصبّ على أنّ مشروع القرار في حاجة إلى عدد كافٍ من الأصوات كي لا يتمّ
إسقاطه، متوقّعاً في الوقت ذاته أن يواجه المشروع أحد الخيارات ثلاثة، وأوّلها أن
يتمّ تمرير القرار بامتناع أميركا عن التصويت عليه، وثانياً أن تستخدم أمريكا
الفيتو وهو المتوقّع، وأخيراً أن تصوّت أميركا لصالح القرار، وهذا مستبعد.
الفيتو الأميركيّ الذي يخشاه الفلسطينيّون استخدمته أميركا 33 مرّة منذ عام 1979 حتّى عام 2014، ضدّ قرارات
تتعلّق بالقضيّة الفلسطينيّة، والتي كان آخرها في كانون الأوّل/ديسمبر 2014، على مشروع قرار تقدّمت به المجموعة العربيّة في مجلس
الأمن يدعو إلى إعلان الدولة الفلسطينيّة، وإنهاء الاحتلال الإسرائيليّ خلال عام
2017.
لم يقنع قرار التأجيل ذلك غالبيّة الفصائل الفلسطينيّين،
وأدانت عضو المكتب السياسيّ للجبهة الشعبيّة مريم أبو دقة في حديثها إلى
"المونيتور" قرار التأجيل، وطالبت السلطة الفلسطينيّة بالمضي في تقديمه،
على الرغم من القناعة المتبلورة عندهم كفلسطينيّين بأنّ مجلس الأمن أصبح يقف إلى
جانب الجلّاد (إسرائيل)، ضدّ الضحيّة (الشعب الفلسطينيّ).
وقالت أبو دقة: "استخدام أمريكا الفيتو ضدّ القرار أمر
متوقّع، كونها استخدمته أكثر من مرّة ضدّ مشاريع عربيّة قدّمت لصالح القضيّة
الفلسطينيّة"، مطالبة السلطة الفلسطينيّة والمجموعة العربيّة بالقيام بنشاط
حيويّ وبكلّ الوسائل لثني أميركا عن استخدامه (الفيتو).
أمّا القياديّ في حركة حماس يحيى موسى فاعتقد أنّ تأجيل السلطة
الفلسطينيّة تقديم مشروع القرار نابع من خوفها من الوقوع تحت العقوبات الإسرائيليّة والأميركيّة، كما حدث بعد
تقديم السلطة طلب الحصول على عضويّة في الأمم المتّحدة في
30 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، على الرغم من معارضة أميركا وإسرائيل لذلك الطلب.
وأوضح لـ"المونيتور" أنّ السلطة بقرار التأجيل ذلك،
تزيد القناعة لدى الشارع الفلسطينيّ بأنّها لا تحمل أيّ رؤية أو أفق مستقبليّ
لانتزاع الحقوق الفلسطينيّة، مطالباً إيّاها (السلطة) بتحقيق الوحدة الوطنيّة
والشراكة السياسيّة مع كلّ الفصائل، وهو ما يمكن أن يقوّيها خلال محادثات السلام
في وجه إسرائيل.
واستغرب في الوقت ذاته ضغوط اللجنة الرباعية العربية
والتي تضم في عضويتها مصر والمغرب والأردن على السلطة الفلسطينيّة منذ شهر أبريل
الماضي لتأجيل تقديم مشروع القرار إلى مجلس الأمن لما بعد الانتخابات الأمريكية
بحجة إعطاء المزيد من الوقت للجهود الفرنسية لتحريك عملية السلام، قائلاً:
"المجموعة العربيّة تطبّع العلاقات مع إسرائيل
سرّاً وعلناً، ولا تنصر الشعب الفلسطينيّ".
من جانبه، وصف أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة النجاح
البروفيسور عبد الستّار قاسم قرار السلطة الفلسطينيّة بتأجيل تقديم مشروع قرار
ادانة الاستيطان بـ"السخيف، ويدلّ على أنّ السلطة غير جادّة في نقل القضيّة
الفلسطينيّة إلى الساحة الدوليّة التي تعطي الفلسطينيّين أكثر ممّا أعطتهم إيّاه
اتّفاقيّة أوسلو"، ودليل ذلك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242
القاضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967، وقرار رقم 194 القاضي بعودة
اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم التي هجروا منها عام 1948 وتعويضهم، وغيرها من
القرارات.
وطالب في حديثه إلى "المونيتور" السلطة بعدم حصر
تحصيل الحقوق الفلسطينيّة في المفاوضات الثنائية مع إسرائيل وإشراك المجتمع
الدوليّ، مستغرباً ربط تأجيل تقديم القرار بالانتخابات الأميركيّة، التي رأى أنّها
لن تقدّم في قرار الولايات المتّحدة الأميركيّة استخدام حقّ النقض إن أرادت
استخدامه ضدّ مشروع القرار، أو تؤخّر فيه.
فيما رأى أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة الأزهر في غزّة
مخيمر أبو سعدة أنّ تأجيل السلطة التوجّه إلى مجلس الأمن جاء لعدم تكرار الفشل
الذي حدث في كانون الأوّل/ديسمبر 2014، على مشروع القرار المتعلّق بإنهاء الاحتلال الإسرائيليّ
وإدانة الاستيطان، جرّاء حصوله على 8 أصوات من أصل 15، بينما
كان يحتاج إلى 9 أصوات كي يتمّ تمريره، وهو الأمر الذي لم يدفع أميركا إلى استخدام
حقّ النقض ضدّ القرار آنذاك.
وبيّن لـ"المونيتور" أنّ الأيّام التي تلي مباشرة
الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة التي ستجري في 8 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، هي
الفرصة التي تنتظرها السلطة لاعتقادها أنّ أوباما الذي سيمكث شهرين في منصبه بعد
الانتخابات، سيتحرّر من ضغط اللوبي اليهوديّ في الولايات المتّحدة الأميركيّة، إذ
يعتبر صوت الجالية اليهودية على أنه يرجح كفة مرشح على آخر خلال الانتخابات
الرئاسية، وبالتالي يمكن أن يمتنع ممثّل الولايات المتّحدة الأميركيّة عن التصويت
على القرار، على الرغم من القناعات الراسخة لدى الفلسطينيّين بأنّ استخدام أمريكا
الفيتو ضدّ القرار أمر حتميّ.
الفلسطينيّون مقتنعون بأنّه حتّى لو صدر قرار عن مجلس الأمن
يدين الاستيطان الإسرائيليّ في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة في عام 1967، إسرائيل
لن تلتزم به، بل سيكون ردّها عليه ببناء المزيد من الوحدات الاستيطانيّة في
الأراضي الفلسطينيّة.
الرابط الأصلي:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.