الجمعة، 27 ديسمبر 2019

بعد استئناف مسيرات العودة... الفلسطينيّون يعلنون شروطهم لوقفها


أحمد أبو عامر – المونيتور

مدينة غزّة، قطاع غزّة: أعلنت الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار في قطاع غزة خلال مؤتمر صحفي عقدته في 26 ديسمبر الجاري، عن توقف مسيرات العودة بشكل أسبوعي وتحويلها لتصبح مرة واحدة في الشهر، أو في المناسبات الوطنية، مشيرةً إلى أن المسيرات ستتوقف لمدة 3 أشهر بهدف الاستعداد والتجهيز للمسيرة الأولى من مسيرات العودة لعام 2020، والتي ستنطلق في 30 مارس 2020، لإحياء ذكرى يوم الأرض الفلسطيني.

وأوضح الهيئة أن قرار تحويل المسيرات لتصبح بشكل شهري أو في المناسبات الوطنية اتخذ بعد دراسة ونقاشات امتدت لأسابيع من قبل القائمين على تلك المسيرات، وأضافت: "إعلاننا اليوم برنامج مسيرات العودة للعام الجديد القادم بآليات جديدة، مرتبطة بتقديرات الهيئة الوطنية، الذي ينطلق أولاً وأخيراً من مصالح شعبنا ومراعاةً لظروفه".

يأتي ذلك بعد أن استأنف الفلسطينيّون في قطاع غزّة مسيرات العودة وكسر الحصار الأسبوعيّة مجدّداً في 6 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، بعد توقّف دام 3 أسابيع، وهو الأمر الذي برّرته الهيئة العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار آنذاك بأنّه جاء لتفويت الفرصة على الجيش الإسرائيليّ لقتل المتظاهرين وإصابتهم.

واكتسبت التظاهرات الأسبوعية منذ بداية ديسمبر الجاري أهمّيّتها من كونها مثّلت الاختبار الأوّل لاتّفاق وقف إطلاق النار الذي وقّع بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلاميّ في 14 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، والذي اشترطت الحركة للموافقة عليه قبول إسرائيل بـ3 شروط تتمثّل في عدم الاعتداء على المتظاهرين السلميّين في المسيرات الأسبوعيّة، ووقف سياسة الاغتيالات، وكذلك الالتزام بتفاهمات التهدئة التي تمّ التوصّل إليها في تشرين الأوّل/أكتوبر 2018.

لم تصدر أيّ جهة فلسطينيّة إحصاء رسميّاً بأعداد المشاركين في التظاهرات، ولكنّ مراسل القناة 13 الإسرائيليّة ألموغ بوكير نقل تقديرات أمنيّة إسرائيليّة في 6 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، بأنّ أعداد المتظاهرين الفلسطينيّين شهدت تراجعاً عن الأسابيع الأخيرة، وقدّرت صحيفة يديعوت أحرنوت عددهم في 6 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، بأكثر من 4 آلاف متظاهر، وفي 20 ديسمبر الجاري، بلغ عدد المتظاهرين 2700 متظاهر فيما شهدت الجمعة التي سبقت توقّف المسيرات في 8 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، مشاركة 5500 متظاهر.

ودأب الفلسطينيّون على التظاهر في شكل أسبوعيّ منذ آذار/مارس 2018، في 5 نقاط على طول الحدود بين إسرائيل وقطاع غزّة، حيث يشتبكون في بعض الأحيان مع الجيش الإسرائيليّ الذي يطلق الرصاص الحيّ والمطّاطي في اتّجاههم، ممّا أسفر عن استشهاد 317 فلسطينيّاً وإصابة 19400 متظاهر حتّى الأسبوع الأوّل من كانون الأوّل/ديسمبر 2019.

وأعلنت وزارة الصحّة الفلسطينيّة في 6 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، عن إصابة 37 فلسطينيّاً بجراح مختلفة، بينهم 10 أطفال، جرّاء قمع الجيش الإسرائيليّ التظاهرات، وهي أعداد قليلة مقارنة بالأسبوع الذي سبق وقف التظاهرات في 8 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، إذا بلغ عدد المصابين 104، وذلك على ما يبدو جرّاء خشية إسرائيل من ردّة فعل التنظيمات الفلسطينيّة في حال سقوط شهداء.

وكانت إسرائيل قد بعثت برسالة في 5 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، إلى حركة حماس عبر الوسطاء، حمّلتها فيها المسؤوليّة عن أيّ خسائر في صفوف المتظاهرين خلال المسيرات، فيما عزّز الجيش الإسرائيليّ قوّاته في شكل ملحوظ على طول الحدود مع قطاع غزّة.

أكّد عضو الهيئة الوطنيّة العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار طلال أبو ظريفة لـ"المونيتور" أنّ التراجع في أعداد الإصابات خلال الجمعة الماضية، جاء بعدما أبلغت الفصائل الفلسطينيّة الوسطاء بأنّها لن تصمت على أيّ تغوّل إسرائيليّ في دماء المتظاهرين السلميّين.

وكشف أبو ظريفة أن المسيرات ستكون مرة واحدة في الشهر وفي المناسبات الوطنية فقط، وليس بشكلٍ أسبوعي كما يجري الآن، والاهتمام بالأنشطة الثقافية للشباب وطلاب المدارس بهدف تعريفهم بمسيرات العودة وأهدافها التي انطلقت من أجلها.

من جانبه، شدّد الناطق باسم حركة حماس عبد اللطيف القانوع في حديث إلى "المونيتور" على أنّ المسيرات لن تتوقّف من دون تحقيق أهدافها التي انطلقت من أجلها، والتي تتضمّن أهدافاً مرحليّة ككسر الحصار المفروض على قطاع غزّة، وانتزاع الموافقة الإسرائيليّة بإعادة بناء مطار غزّة وميناء بحريّ لتسهيل حركة الفلسطينيّين وتجارتهم مع العالم.

أمّا الأهداف الاستراتيجيّة، وفقاً للقانوع، فتتمثّل في تثبيت حق عودة الفلسطينيّين إلى أراضيهم التي هجّروا منها، وإحباط خطّة السلام الأميركيّة المعروفة إعلاميّاً باسم "صفقة القرن"، وأيّ مشاريع أخرى تهدف إلى تصفية القضيّة الفلسطينيّة.

وبيّن أنّ المسيرات استطاعت حتّى اللحظة تحقيق بعض الإنجازات، أهمّها فتح المعابر مع إسرائيل ومصر في شكل جيّد بعدما كانت تغلق بين حين وآخر، إضافة إلى التحسّن في كمّيّة الكهرباء التي يستفيد منها الغزّيّون، وكذلك توفير منح ماليّة من قطر لمساعدة الفقراء، وإنشاء مستشفى ميدانيّ أميركيّ في شمال قطاع غزّة للمساهمة في حلّ المشكلة الصحّيّة التي يعاني منها القطاع.

ويتّهم الفلسطينيّون إسرائيل بالتلكّؤ في تنفيذ التفاهمات، وهدّدوا أكثر من مرّة بالتصعيد الشعبيّ من خلال المسيرات الأسبوعيّة أو التلويح بالتصعيد العسكريّ، إذا لم تمض إسرائيل في شكل أفضل في تطبيق التفاهمات.

المتظاهر يوسف رضوان 23 عاماً من مدينة غزة يقول لـ"المونيتور": "لم أتخلف عن المشاركة في التظاهرات التي تخرج أسبوعياً قرب الحدود الشرقية لقطاع غزة ولو لمرة واحدة، فقناعتي أن تلك التظاهرات هي الوسيلة السلمية المتوفرة حالياً للضغط على إسرائيل كي تنهي حصارها لقطاع غزة".

أما المتظاهر محمد النجار 31 عاماً من بلدة عبسان شرق مدينة خانيونس فيقول لـ"المونيتور": "أصبت 3 مرات من قبل الجيش الإسرائيلي أثناء مشاركتي في التظاهرات، إحداها كانت بالرصاص الحي في مارس الماضي، أرقدتني المستشفى شهراً كاملاً، حيث أصيبت عظام القدم اليسرى بالتهتك، ومع ذلك عدت للمشاركة في تلك التظاهرات".

ويضيف: "إصابتي التي أحدثت إعاقة لي بنسبة 30 بالمائة في وظائف القدم، جعلت العديد من أصدقائي الذين كانوا يرافقوني في التظاهرات الأسبوعية يمتنعون عن المشاركة خوفاً من إصابتهم بالرصاص".

وجاء استئناف التظاهرات على وقع التصريحات الإسرائيليّة بأنّ مصر تبذل جهوداً مكثّفة مع الفصائل الفلسطينيّة التي تزور القاهرة حاليّاً للتوصّل إلى اتّفاق تهدئة طويلة الأمد مع قطاع غزّة، تتضمّن إقامة مطار وميناء لقطاع غزّة، مقابل التزام تلك الفصائل بوقف أيّ أعمال عسكريّة ضدّ إسرائيل، ودخول حماس في مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل لإنهاء قضيّة الجنود الإسرائيليّين الأسرى في قطاع غزّة.

رأى المحلّل السياسيّ ورئيس التحرير السابق لصحيفة فلسطين المحلّيّة مصطفى الصوّاف في حديث إلى "المونيتور" أنّ استئناف التظاهرات جاء لقناعة الفلسطينيّين بأنّها الوسيلة الأنجع والأقلّ كلفة للضغط على إسرائيل لكسر حصارها عن قطّاع غزّة.

ولفت الصوّاف إلى أنّ الإنجازات التي استطاع الفلسطينيّون انتزاعها من إسرائيل مقبولة كمرحلة أولى، متوقّعاً أن ينجح الوسطاء في الضغط على إسرائيل للالتزام في شكل أكبر في تنفيذ تفاهمات التهدئة.

من جانبه، اعتبر المحلّل السياسيّ المقرّب من حركة الجهاد الإسلاميّ حسن عبدو في حديث إلى "المونيتور" أنّ حركة الجهاد الإسلاميّ لن تسمح للجيش الإسرائيليّ بالإخلال باتّفاق وقف إطلاق النار الذي توسّطت به مصر في 14 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، متوقّعاً أنّ الحركة كانت ستردّ بقوّة على سقوط شهداء أو إصابات خطيرة في صفوف المتظاهرين من قبل الجيش الإسرائيليّ في مسيرات الجمعة الماضية.

وأوضح أنّ انتفاء تلك الحالة يتمثّل في رفع الحصار المفروض على قطاع غزّة منذ 13 عاماً، والذي خلق أوضاعاً اقتصاديّة واجتماعيّة وإنسانيّة صعبة في قطاع غزّة.

ينتظر القائمون على مسيرات العودة بداية العام الجديد، لفحص حجم المشاركة من قبل المتظاهرين في تلك التظاهرات، والتي أصبحت تعقد بشكل شهري أو في المناسبات الوطنية فقط، وذلك بعد التراجع في أعداد المشاركين، ناهيك عن الحفاظ على أرواح المتظاهرين.



الأحد، 22 ديسمبر 2019

مصر تكافئ حركة الجهاد الإسلاميّ وتحتضن الاجتماع الأوّل لمكتبها السياسيّ


أحمد أبو عامر – المونيتور

مدينة غزّة، قطاع غزّة – عقد المكتب السياسيّ لحركة الجهاد الإسلاميّ اجتماعاً بكامل هيئته في الداخل والخارج في 3 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، في العاصمة المصريّة القاهرة، وذلك للمرّة الأولى منذ انتخاب أعضائه في نهاية أيلول/سبتمبر 2018، للتباحث في العديد من القضايا التنظيميّة الداخليّة والعلاقة مع إسرائيل، لا سيّما بعد اتّفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل بوساطة مصريّة في 14 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، والحديث الإسرائيليّ عن جهود مصريّة جديدة للتوصّل إلى اتّفاق تهدئة طويل الأمد بين إسرائيل وقطاع غزّة.

ووصل أعضاء المكتب السياسيّ للحركة إلى القاهرة في 3 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، آتين من قطاع غزّة والعديد من الدول العربيّة والإسلاميّة، يرأسهم القائد العامّ للحركة زياد النخالة، الذي رفضت إسرائيل السماح له بدخول قطاع غزّة عندما كان يشغل منصب نائب الأمين العامّ لحركة الجهاد الإسلاميّ، وهدّدت باغتياله في كانون الأوّل/ديسمبر 2012، إن دخل القطاع.

تجد حركة الجهاد الإسلاميّ كما العديد من التنظيمات الفلسطينيّة الأخرى، وتحديداً حركة حماس، صعوبة في عقد اجتماعات لقيادتها داخل الأراضي الفلسطينيّة وخارجها في آن واحد، بسبب صعوبات أمنيّة ولوجستيّة، أهمّها منع إسرائيل قيادات تلك التنظيمات من دخول قطاع غزّة، إضافة إلى عدم قدرة تلك التنظيمات على توفير فيديو كونفرس آمن لقناعتها بأنّ إسرائيل يمكنها اختراقه والتنصّت على ما سيدور في تلك الاجتماعات. 

لم تكن حركة الجهاد الإسلاميّ الحركة الفلسطينيّة الأولى التي تعقد اجتماعاً موسّعاً لقيادتها في القاهرة، إذ سبق وأعطت مصر حركة حماس الموافقة في أيلول/سبتمبر 2017، على عقد اجتماع لمكتبها السياسيّ بكامل هيئة للمرّة الأولى بعد انتخابه في مايو من عام 2017، وتسعى مصر من تلك الخطوات إلى أن تبقى الراعي الأوّل للقضيّة الفلسطينيّة في منطقة الشرق الأوسط بحكم موقعها الجغرافيّ والسياسيّ.

كشف مسؤول في حركة الجهاد الإسلاميّ يشارك في الزيارة التي تقوم بها قيادة الحركة إلى القاهرة، طلب عدم الإفصاح عن هويّته، لـ"المونيتور" أنّ المخابرات المصريّة اقترحت على قيادة حركته في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عقد اجتماع لمكتبها السياسيّ بكامل هيئته في القاهرة، وهو اقتراح رحّبت به الحركة.

وذكر المسؤول أنّ جهاز المخابرات العامّة المصريّ تعهّد بتوفير أجواء مريحة وآمنة لعقد اجتماع قيادة الحركة، الذي بحث العديد من القضايا التنظيميّة الهامّة، إضافة إلى تقييم جولة التصعيد مع إسرائيل والتي اندلعت بعد اغتيال الأخيرة القائد في سرايا القدس بهاء أبو العطا في 12 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، وردّت عليه الحركة بقصف جنوب إسرائيل ووسطها بالصواريخ، وانتهت الجولة بالتوصّل إلى اتّفاق وقف إطلاق نار في 14 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بوساطة مصريّة.

وأوضح المسؤول أنّ قيادة الحركة أجرت لقاءات مع قيادات في جهاز المخابرات العامّة المصريّ من أجل بحث جهود التهدئة مع إسرائيل وتثبيت اتّفاق وقف إطلاق النار، والتباحث في التهديدات التي يطلقها رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه نفتالي بينت ضدّ قطاع غزّة، مشيراً إلى أنّ قيادات عسكريّة من الجناح المسلّح للحركة شاركت في الاجتماعات.

واجتمع رئيس جهاز المخابرات المصري عباس كامل في 7 ديسمبر الجاري، برئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة في القاهرة، ونقل موقع عربي 21 في 9 ديسمبر الجاري، عن مسئول فلسطيني -لم تسمه- أن الاجتماع شهد التباحث في العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة وملفي المصالحة الفلسطينية الداخلية وكذلك الانتخابات العامة.

أكّد رئيس الوزراء الإسرائيليّ في حديث إلى الصحافيّين خلال زيارته إلى مدينة لشبونة البرتغاليّة في 5 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، وجود اتّصالات مكثّفة تقودها مصر للتوصّل إلى اتّفاق تهدئة طويل الأمد مع حركة حماس في قطاع غزّة.

في المقابل، نفت حركة الجهاد الإسلامي في 9 ديسمبر الجاري، وكذلك حركة حماس في 10 ديسمبر الجاري، أن تكون القاهرة عرضت عليهم مقترح لاتفاق تهدئة طويلة الأمد.

وكانت حركة الجهاد الإسلاميّ قد أصدرت بياناً في 3 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري قالت فيه إنّ زيارة قيادة الحركة إلى القاهرة تأتي في إطار "تعزيز العلاقات مع الأشقّاء المصريّين، والبحث عن كيفيّة إنهاء معاناة الناس في الذهاب إلى مصر والإياب منها، وكذلك العمل على إطلاق سراح بعض الموقوفين الفلسطينيّين لدى أجهزة أمنيّة مصريّة".

وشهدت علاقة الجهاد الإسلاميّ بمصر حالة من التطوّر الإيجابيّ بعد انتخاب قيادتها الجديدة في سبتمبر 2018، وزار رئيس مكتبها السياسيّ زياد النخالة القاهرة مرّات عدّة كانت أهمّها في 13 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، وأثمرت الزيارة عن إطلاق سراح 83 فلسطينيّاً في 17 أكتوبر الماضي، كانت السلطات المصريّة تعتقلهم، بعضهم عناصر في الحركة.

اعتبر المحلّل السياسيّ المقرّب من الجهاد الإسلاميّ حسن عبدو في حديث إلى "المونيتور" استضافة القاهرة اجتماع المكتب السياسيّ لحركة الجهاد الإسلاميّ مكافأة للحركة من قبل المصريّين على إنجاحها الجهود المصريّة التي أدّت إلى وقف جولة القتال بين إسرائيل والجهاد الإسلاميّ في 13 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وتبنّي مصر شروط الجهاد الإسلاميّ الثلاثة التي وضعتها أمام إسرائيل لوقف جولة القتال.

وأشار إلى أنّ مصر تنظر إلى الجهاد الإسلاميّ كطرف مؤثّر على الساحة الفلسطينيّة، وتتباحث معها في العديد من القضايا سواء في علاقة الفلسطينيّين بإسرائيل، أم في ما يتعلّق بالتخفيف من وطأة الحصار الإسرائيليّ لقطاع غزّة، إذ كانت أهمّ الشروط التي وضعتها الحركة في اتّفاق وقف إطلاق النار الأخير التزام إسرائيل بتفاهمات التهدئة التي تمّ التوصّل إليها في تشرين الأوّل/أكتوبر 2018، وما تبعها من اتفاقيات لوقف إطلاق النار والمضي في تفاهمات التهدئة والتي تم التوصل إليها في مارس و مايو الماضيين.

من جانبه، رأى رئيس تحرير صحيفة الاستقلال الفلسطينيّة والمقرّبة من حركة الجهاد الإسلاميّ خالد صادق في حديث إلى "المونيتور" أنّ مصر تواصل نسج علاقات جيّدة مع الفصائل الفلسطينيّة في قطاع غزّة، وتحديداً مع حركتي حماس والجهاد الإسلاميّ، بهدف تفكيك الأزمات الإنسانيّة التي تعصف بقطاع غزّة منذ فرض الحصار الإسرائيليّ قبل 13 عاماً.

وأوضح أنّ مصر باعتبارها الوسيط الأهمّ بين الفلسطينيّين وإسرائيل في مباحثات التهدئة، تسعى إلى تجنيب قطاع غزّة ويلات مواجهة عسكريّة جديدة، وذلك في ظلّ محاولات نتنياهو تصدير الأزمة السياسيّة الداخليّة إلى قطاع غزة بعد فشل تشكيل الحكومة ومحاولة حلّها على حساب الدم الفلسطينيّ.

وعلى الرغم من العلاقة الجيّدة التي تربط النظام المصريّ بحركة الجهاد الإسلاميّ، إلّا أنّه من المستبعد أن تقبل الحركة بهدنة طويلة مع إسرائيل، إذ ترى أنّ العلاقة الطبيعيّة مع إسرائيل تكمن في استمرار مقاومتها بسبب احتلالها الأراضي الفلسطينيّة. 



الجمعة، 20 ديسمبر 2019

لماذا ترفض حركة الجهاد الإسلاميّ الهدنة الطويلة مع إسرائيل؟


أحمد أبو عامر – المونيتور

مدينة غزّة، قطاع غزّة – جدّدت العديد من وسائل الإعلام الإسرائيليّة منذ بداية كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، أحاديثها حول مباحثات تجري في العاصمة المصريّة القاهرة لمحاولة التوصّل إلى اتّفاق هدنة طويل الأمد مع الفصائل الفلسطينيّة في قطاع غزّة، فيما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو في 6 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، أنّ مباحثات الهدنة الطويلة تسير على قدم وساق.

ترافقت الأحاديث والتصريحات الإسرائيليّة مع زيارة قامت بها قيادات حركتي حماس والجهاد الإسلاميّ إلى القاهرة في 2 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، والتي جاءت بدعوة مصريّة للتباحث في تثبيت اتّفاق وقف إطلاق النار الأخير مع إسرائيل والذي تمّ إبرامه برعاية مصريّة في 14 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، وكذلك التعرّف على آخر جهود تفاهمات التهدئة التي تمّ التوصّل إليها بين الفصائل الفلسطينيّة وإسرائيل في تشرين الأوّل/أكتوبر 2018، وملفّي المصالحة الداخليّة والانتخابات العامّة.

نفت حركتا حماس والجهاد الإسلاميّ في بيانات صحافيّة وتصريحات إعلاميّة لقادتها في 10 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، تلقّيهما أيّ عروض من أيّ طرف أو وسيط دوليّ لاتّفاق هدنة طويل الأمد مع إسرائيل، ووصفتا تلك الأحاديث بـ"الكاذبة"، واتّهمتا رئيس الوزراء الإسرائيليّ بالترويج لتلك الأفكار بهدف استغلالها في دعايته الانتخابيّة للانتخابات الإسرائيليّة الثالثة والمقرّر انعقادها في بداية آذار/مارس المقبل.

أكّد القياديّ في حركة الجهاد الإسلاميّ أحمد المدلّل في حديث إلى "المونيتور" رفض حركته المبدئيّ أيّ اتّفاق هدنة طويل الأمد مع إسرائيل يصل إلى سنوات، مضيفاً: "استراتيجيّتنا قائمة على مبدأ الاشتباك المستمرّ مع إسرائيل التي تحتلّ أرضنا الفلسطينيّة وتسرق مقدّراتنا وتطبق بحصارها علينا".

وأوضح المدلّل أنّ أيّ اتّفاق هدنة طويل الأمد سيوفّر لإسرائيل حالة من الهدوء والاستقرار تستغلّها في مصادرة ما تبقّى من أراضي الفلسطينيّين ومقدّراتهم في الضفّة الغربيّة والقدس، ناهيك عن أنّها ستعطّل قدرات المقاومة وسلاحها لسنوات طويلة وتجعلها غير ذي جدوى، وبالتالي إطالة عمر احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينيّة.

ونفى القياديّ في حركة الجهاد الإسلاميّ أن تكون القاهرة قد عرضت عليهم أيّ مقترحات في شأن تلك الهدنة، مشيراً إلى أنّ تلك الأحاديث مصدرها الإعلام الإسرائيليّ.

وتنصّ الوثيقة السياسيّة لحركة الجهاد الإسلاميّ التي صدرت في شباط/فبراير 2018، على التالي: "النهج الثابت للجهاد هو استمرار المواجهة مع العدو الصهيونيّ، واستنزاف طاقاته وقدراته، وزعزعة أمنه واستقراره، لإجباره على الرحيل عن أرضنا، وصولاً للتحرير الكامل لفلسطين".

لم تكن حركة الجهاد الإسلاميّ وحدها في رفضها أيّ اتّفاق هدنة طويل الأمد مع إسرائيل، حيث انضمّت إليها الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، التي أكّد القياديّ فيها جميل مزهر في 7 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، رفض حركته أيّ هدنة طويلة مع إسرائيل.

من جانبه، قال رئيس لجنة الرقابة في المجلس التشريعيّ والقياديّ في حركة حماس يحيى موسى في حديث إلى "المونيتور": "لم نتلقّ أيّ عروض لهدنة طويلة الأمد مع إسرائيل أو نناقشها، وأيضاً لم نعرض في حماس على إسرائيل التوصّل إلى اتّفاق هدنة طويل".

وبيّن أنّ ما يجري بينهم وبين إسرائيل هو تفاهمات برعاية من الوسطاء المصريّين والقطريّين والمنسّق الخاصّ لعمليّة السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، بهدف كسر الحصار الإسرائيليّ المفروض على قطاع غزّة.

وعلى الرغم من نفي حركتي حماس والجهاد الإسلامي مقترح الهدنة الطويلة، إلّا أنّ السلطة الفلسطينيّة وحركة فتح تبديان تخوّفهما من قضيّة الهدنة الطويلة بل وحذّرتا منها، وذلك في ظلّ التقدّم في تطبيق تفاهمات التهدئة بين حماس وإسرائيل، والتي كان آخرها سماح إسرائيل في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ببناء المستشفى الميدانيّ الأميركيّ في شمال قطاع غزّة، واستمرار تدفّق الأموال القطريّة إلى قطاع غزّة عبر إسرائيل، والسماح للصيّادين الفلسطينيّين بالإبحار لمسافات بعيدة في بحر قطاع غزّة.

اعتبر المحلّل السياسيّ المقرّب من حركة الجهاد الإسلاميّ حسن عبدو في حديث إلى "المونيتور" أنّ أيّ اتّفاق هدنة طويل الأمد سيشكّك في شرعيّة وجود حركات المقاومة الفلسطينيّة وفي مبرّراته، لا سيّما وأنّ تلك الحركات انطلقت من أجل مقاومة احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينيّة.

وأوضح عبدو أنّ ارتفاع وتيرة الحديث حول الهدنة كان من طرف واحد، وهو إسرائيل، بهدف إيجاد حالة من التشويش والتراشق الإعلاميّ بين الفصائل الفلسطينيّة المؤيّدة لأيّ مقترحات في هذا الخصوص والمعارضة لها، لافتاً إلى أنّ ذلك الهدف عملت عليه إسرائيل خلال جولة القتال التي اندلعت بين حركة الجهاد الإسلاميّ وإسرائيل في 12 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عبر الترويج أنّ حماس تركت الجهاد الإسلامي وحدها في تلك الجولة.

ونقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيليّة في 12 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، عن مصادر في الجيش الإسرائيليّ خشيتها من أن تؤدّي الأزمة السياسيّة في إسرائيل إلى تعطيل التوصّل إلى اتّفاق هدنة طويل مع قطاع غزّة، مشيرة إلى أنّ الجيش الإسرائيليّ يعتقد أنّ الفرصة مؤاتية للتوصّل إلى تلك الهدنة، بعدما تلقّت حركة الجهاد الإسلاميّ ضربة قويّة في جولة القتال التي انعدلت في 12 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وامتناع حركة حماس عن المشاركة في القتال آنذاك.

وتوافق المحلّل السياسيّ والكاتب في صحيفة فلسطين المحلّيّة إياد القرا في حديث إلى "المونيتور" مع سابقه في أنّ كلّ ما يثار حول قضيّة الهدنة مصدره إسرائيل، مشيراً إلى أنّ ذلك المقترح لا رصيد له على أرض الواقع، في ظلّ الأزمة السياسيّة الداخليّة التي تعيشها إسرائيل، وعدم وجود حكومة إسرائيليّة يمكنها المضي في مفاوضات حول الهدنة.

وبيّن أنّ الفصائل الفلسطينيّة تعي أنّ التوصّل إلى أيّ اتّفاق هدنة طويل الأمد في المستقبل القريب يمثّل هديّة لإسرائيل التي تسعى إلى تحييد جبهة قطاع غزّة والتفرّغ في شكل كامل للملفّ الإيرانيّ، وذلك في ظلّ التقديرات الإسرائيليّة الصادرة في نهاية يوليو الماضي، أنّ حماس وإيران قد اتّفقتا على فتح جبهة غزّة إذا اندلعت حرب بين إسرائيل وحزب الله.



الأربعاء، 18 ديسمبر 2019

إسرائيل تبدأ بالملاحقة الاقتصاديّة لشخصيّات تتّهمها بتمويل حماس


أحمد أبو عامر – المونيتور

مدينة غزّة، قطاع غزّة – تواصل إسرائيل مساعيها إلى تضييق الخناق الماليّ والاقتصاديّ على الفلسطينيّين، وفي مقدّمتهم حركة حماس، وذلك من خلال ملاحقة شبكات تهريب الأموال والمموّلين، وكان آخر تلك التحرّكات إصدار وزير الدفاع الإسرائيليّ نفتالي بينيت قراراً في 3 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، وصف بـ"الاستثنائيّ"، ويتضمّن الملاحقة الاقتصاديّة لشخصيّات فلسطينيّة وأجنبيّة تتّهمها إسرائيل بتمويل الإرهاب.

ويتضمّن القرار فرض قيود على المتّهمين للحدّ من قدرتهم على استخدام أصولهم الماليّة، داخل إسرائيل وخارجها، لتعزيز المنظّمات الإرهابيّة وتمويلها، وحمل القرار اسم أوّل شخصيّة من ضمن مئات الشخصيّات التي قالت إسرائيل إنّها ستوضع في قائمة يمكن لأيّ شخص في العالم الاطّلاع عليها، وهو محمّد جميل هرش، مدير المنظّمة العربيّة لحقوق الإنسان في بريطانيا، والذي تتّهمه إسرائيل بأنّه عضو في حركة حماس.

وهرش فلسطينيّ من مدينة نابلس أبعدته إسرائيل مع مئات آخرين من قيادات حماس والجهاد الإسلاميّ إلى منطقة مرج الزهور في جنوب لبنان في عام 1992، ومنها تنقّل بين دول عدّة حول العالم، واستقرّ به المقام خلال السنوات الأخيرة في بريطانيا.

وكانت إسرائيل قد أعلنت في بداية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، تفكيك شبكة تهريب الأموال من إيران إلى حركة حماس في الأراضي الفلسطينيّة، واعتقلت عدداً من الفلسطينيّين الذين يعملون في مهنة الصرافة في الضفّة الغربيّة والذين يقومون بنقل الأموال إلى حركة حماس عبر المعابر مع إسرائيل أو من خلال البنوك تحت ستار جمعيّات خيريّة.

حاول "المونيتور" أكثر من مرّة التواصل مع هرش، إلّا أنّه لم يتمكّن من ذلك، إذ يرفض الأخير التحدّث إلى وسائل الإعلام منذ صدور القرار الإسرائيليّ ضدّه.

وصف القياديّ في حركة حماس ورئيس اللجنة الاقتصاديّة في المجلس التشريعيّ الفلسطينيّ عاطف عدوان في حديث إلى "المونيتور" القرار الإسرائيليّ بأنّه "غبيّ وينمّ عن حالة الانزعاج الإسرائيليّ من استمرار حماس في تنفيذ نشاطاتها في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، على الرغم من الحصار الماليّ الذي تتعرّض إليه من قبل إسرائيل والسلطة الفلسطينيّة".

وقال عدوان: "لا أمتلك معلومات إذا كان هرش ينتمي إلى حماس أم لا، ولكنّ إسرائيل تتحمّل المسؤوليّة الكاملة عن أيّ أذى يلحق به أو بآخرين تنوي إدراجهم على قائمتها مستقبلاً"، لافتاً إلى أنّ أيّ جهد يقوم به الفلسطينيّون حول العالم لدعم قضيّتهم يصنّف من قبل إسرائيل والولايات المتّحدة الأميركيّة بأنّه "إرهاب".

وجمّدت الخزانة الأميركيّة في 23 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، حسابات 3 رجال أعمال فلسطينيّين من قطاع غزّة، بتهمة نقل أموال من إيران إلى حركة حماس في الأراضي الفلسطينيّة، وقالت الخزانة إنّ الرجال الثلاثة نقلوا مئات ملايين الدولارات إلى حركة حماس عبر حساباتهم المصرفيّة في الولايات المتّحدة الأميركيّة خلال السنوات الأخيرة.

طالب وزير العدل الفلسطينيّ محمّد الشلالدة في حديث إلى "المونيتور" الدول التي يتواجد على أراضيها الفلسطينيّون المتّهمون من قبل إسرائيل، بالعمل على حمايتهم من الملاحقة القانونيّة أو التصفية الجسديّة، مشيراً إلى أنّ جوهر الاتّهام الإسرائيليّ إلى العديد منهم هو بسبب جهودهم القانونيّة وفضحهم الجرائم الإسرائيليّة ضدّ الفلسطينيّين.

ونقل موقع "الجزيرة نت" القطريّ في 5 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، عن مصدر في المنظّمة العربيّة لحقوق الإنسان قوله إنّ القرار الإسرائيليّ لن يكسر إرادة العاملين في المنظّمة، ولن يرهب النشطاء المناصرين والمدافعين عن حقوق الشعب الفلسطينيّ، مشيراً إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد تحرّكات نوعيّة لكشف الطريقة التي تعمل من خلالها إسرائيل لإحباط الأنشطة القانونيّة المناهضة لها.

من جانبه، اعتبر رئيس الهيئة الدوليّة لدعم حقوق الشعب الفلسطينيّ–حشد صلاح عبد العاطي في حديث إلى "المونيتور" أنّ القرار الإسرائيليّ يهدف إلى إعاقة عمل المنظّمات والشخصيّات المناصرة للقضيّة الفلسطينيّة حول العالم وتجميده، وذلك بعد الجهد الكبير الذي لعبته تلك المنظّمات والشخصيّات في فضح الجرائم الإسرائيليّة، وذلك على غرار ما حدث مع مدير منظّمة "هيومن رايتس ووتش" في إسرائيل والأراضي الفلسطينيّة عمر شاكر الذي طردته إسرائيل في 25 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بتهمة دعمه لحركة المقاطعة الدوليّة لإسرائيل.

وحذّر عبد العاطي من المخاطر الأمنيّة التي قد تلحق بمن ستدرجهم إسرائيل في قائمتها، لا سيّما وأنّ شخصيّات عدّة اتّهمت من قبل إسرائيل في السابق بدعم الفلسطينيّين وتنظيماتهم قد تمّ اعتقالها أو تصفيتها، كممثل وكالة التعاون والتنسيق التركية "تيكا" في قطاع غزة محمد مرتجى الذي اعتقله إسرائيل في 12 فبراير 2017، أثناء خروجه قطاع غزة إلى تركيا عبر معبر إيريز، وحكمت عليه بالسجن 9 سنوات بتهمة تمويل حماس.

ومثّل اغتيال إسرائيل الصرّاف الفلسطينيّ حامد الخضري في 5 أيّار/مايو الماضي، عبر قصف سيّارته بالصواريخ في وسط مدينة غزّة، عمليّة القتل الإسرائيليّة الأولى لأشخاص بتهمة تمويل الفصائل الفلسطينيّة، إذ اتّهمت إسرائيل شركة الخضري في حزيران/يونيو 2018، بنقل الأموال من إيران إلى حركة حماس في قطاع غزّة.

أثّرت الملاحقات الإسرائيليّة لمصادر تمويل حماس وتراجع الدعم المالي الإيراني منذ عام 2012، والعقوبات المالية التي فرضتها السلطة الفلسطينية على قطاع غزة منذ مارس 2017، على الحركة خلال السنوات الأخيرة وأدخلتها في ضائقة ماليّة حالت دون صرفها مرتّبات موظّفيها في شكل كامل منذ عام 2014، كما أقدمت حماس في شباط/فبراير الماضي، على إغلاق العديد من المؤسّسات الإعلاميّة التابعة إليها في إطار خطّتها لخفض نفقاتها.

رأى المحلّل السياسيّ والمقرّب من حركة حماس ابراهيم المدهون في حديث إلى "المونيتور" أنّ القرار الإسرائيليّ لم يكن مفاجئاً لحركة حماس، إذ إنّ إسرائيل قامت بخطوات مماثلة ضدّ الحركة منذ سنوات طويلة بهدف التضييق عليها ومحاصرتها ماليّاً لقناعتها بأنّ المال بالنسبة إلى حماس لا يقلّ أهمّيّة عن السلاح لبناء قوّتها.

وأوضح أنّ حماس استطاعت خلال السنوات الأخيرة التأقلم مع الحصار الماليّ المفروض عليها عبر ترشيد النفقات والبحث عن مصادر تمويل جديدة، منوّهاً بأنّ الكثير من الأموال التي تزعم إسرائيل مصادرتها هي بالفعل تكون في طريقها إلى مؤسّسات خيريّة وإلى الفقراء في الضفّة الغربيّة أو قطاع غزّة.

يبدو أنّ الخطوات الإسرائيليّة المتواصلة لمحاصرة حماس ماليّاً لن تتوقّف، في المقابل، إنّ الحركة تواصل جهودها للبحث عن مصادر تمويل جديدة، والتي كان آخرها إعلان الجناح المسلّح لحركة حماس "كتائب القسام" في نهاية كانون الثاني/يناير الماضي، عن استقباله الدعم الماليّ عبر عملة الـ"بتكوين" بهدف التغلّب على الحصار الماليّ المفروض عليها.



الجمعة، 13 ديسمبر 2019

سينما غزّة... أفلام بلا دور عرض!


أحمد أبو عامر – المونيتور

مدينة غزّة، قطاع غزّة - "صمت صمت يا شباب بدأ الفيلم"... بهذه الكلمات دوّى صوت أحد القائمين على مهرجان السجادة الحمراء لأفلام حقوق الإنسان – كرامة فلسطين، في الأرجاء المحيطة بـ"سينما عامر" وسط مدينة غزة، إيذاناً ببدء عرض الفيلم الأوّل من أمام تلك الدار للمرّة الأولى منذ 23 عاماً، إذ أطفأت تلك السينما أضواءها منذ عام 1996، بعد أن أُحرقت من قبل بعض الشبّان الفلسطينيّين بذريعة أنّها تعرض أفلاماً خادشة للحياء.

مهرجان السجادة الحمراء، الذي انطلقت فعاليّاته في 4 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، كان له الفضل في إعادة الأضواء إلى تلك الدار ونفض الغبار الذي علا جدرانها وأرضيّاتها. وعلى مدار أيّام سبقت انطلاق المهرجان، سارع بعض المتطوّعين إلى تنظيف الدار وتهيئتها لاحتضان افتتاح فعاليّات المهرجان، إلاّ أنّ أصحاب الدار تراجعوا عن افتتاحها في اللحظات الأخيرة، فأصرّ القائمون على المهرجان على أن يكون الافتتاح من أمام الدار للفت الأنظار إلى أهميّة دور السينما وضرورة إعادة فتحها.

أوضح المدير التنفيذيّ لمهرجان السجادة الحمراء في قطاع غزّة منتصر السبع خلال حديث لـ"المونيتور" أنّ تراجع أصحاب الدار في اللحظات الأخيرة عن فتح أبوابها جاء بسبب الانتقادات التي واجهوها من قبل بعض المتديّنين، الأمر الذي دفعهم كمنظّمين إلى عرض الفيلم الأوّل من أمام تلك الدار.

وأكّد منتصر أنّ الهدف من افتتاح المهرجان من أمام "سينما عامر" جاء بسبب رمزيّة المكان كدار للسينما، وللفت أنظار المؤسّسات الحكوميّة الفلسطينيّة وأصحاب تلك الدور إلى ضرورة فتحها أمام الجمهور.

ويضمّ قطاع غزّة 10 دور للسينما، والتي بدأت بإغلاق أبوابها واحدة تلو الأخرى منذ عام 1987، وذلك بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى، وما رافقها من أوضاع أمنيّة غير مستقرة، ولكن مع إنشاء السلطة الفلسطينيّة خلال عام 1994، أعادت تلك الدور فتح أبوابها قبل أن تغلق مجدّداً في عام 1996، نتيجة حرقها مجدداً من قبل شبان متدينين.

مهرجان السجادة الحمراء، الذي يعقد للعام الخامس على التوالي في الأراضي الفلسطينيّة، شارك في أيّام انطلاقه الأولى، مئات الفلسطينيّين، وتحديداً من فئة الشباب المتعطّشين إلى رؤية الأعمال السينمائيّة الفلسطينيّة وغير الفلسطينيّة تعرض في دور السينما التي لم يدخلوها مطلقاً، إذ كانت أعمار غالبيّتهم صغيرة.

عرض الفيلم الأوّل من أمام تلك الدار، والذي يحمل عنوان "غزّة"، وهو فيلم من إنتاج إيرلنديّ ومرشّح لنيل جائزة الأوسكار في شباط/فبراير من عام 2020، ويتحدّث عن الأوضاع الإنسانية الصعبة لسكّان قطاع غزّة بسبب الحصار الإسرائيليّ ووقوفه أمام طموحات الكثيرين في السفر أو العمل أو العيش بسلام.

وكشف منتصر السبع أنّهم تلقوا 300 طلب من قبل مهتمّين بالمشاركة في المهرجان، إلاّ أنّهم اختاروا 45 فيلماً فقط، سيتمّ عرضها كلّها في المدن الفلسطينيّة بالضفّة الغربيّة وقطاع غزّة على مدار أيّام المهرجان، التي تمتدّ حتّى 11 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، لافتاً إلى أنّ تلك الأفلام قدمت إليهم من دول عدّة حول العالم، وفي مقدّمتها دول أوروبيّة وأخرى عربيّة، وكذلك من إنتاج فلسطينيّ.

المهرجان، الذي أطلق تحت عنوان "أنا إنسان"، جاء ليتوافق مع الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان الذي أقرّته الأمم المتّحدة خلال عام 1948، والذي يصادف العاشر من كانون الأوّل/ديسمبر، ليوصل القائمون عليه رسالتهم إلى العالم بأنّ هناك مليونيّ إنسان في قطاع غزّة يعيشون أوضاعاً صعبة من جرّاء الحصار الإسرائيليّ المفروض على قطاع غزّة منذ 13 عاماً.

وذكر فادي حنونة، وهو مدير إنتاج فيلم "غزّة" الإيرلنديّ، لـ"المونيتور" أنّ متعة مشاهدة الفيلم، الذي يمتدّ 92 دقيقة واستغرق تصويره وإنجازه 5 سنوات، منذ تمّوز/يوليو من عام 2014 حتّى بداية عام 2019، تكمن في أنّه يعرض من خلال شاشات عرض كبيرة وليس عبر أجهزة التلفاز أو الحاسوب، مشيراً إلى أنّ عرضه على شاشة كبيرة ضمن المهرجان أمام "سينما عامر" سيكون بمثابة المرّة الأولى له أيضاً لمشاهدة الفيلم.

وقال يوسف المزيني، وهو فلسطينيّ يبلغ من العمر 38 عاماً وأحد الذين حضروا حفل افتتاح المهرجان، لـ"المونيتور": "ينتابني منذ سنوات طويلة شغف الدخول إلى إحدى دور السينما ومشاهدة فيلم، ولكن في ظلّ إغلاق الدور في قطاع غزّة لم أتمكّن من تحقيق رغبتي، وبمجرّد أن شاهدت إعلان مهرجان السجادة الحمراء وأنّه سيعرض أمام إحدى دور السينما قرّرت الحضور".

أمّا فدوى الصبّاغ (45 عاماً) فجاءت مشاركتها في حضور المهرجان لتعيد الذكريات الجميلة التي عاشتها في "سينما عامر"، خلال تسعينيّات القرن الماضي، وقالت لـ"المونيتور": "كنت أدخل السينما خلال عاميّ 1995 و1996 مرّة في الشهر، إذ كنت متزوّجة حديثاً آنذاك، وكان حضور أحد الأفلام المصريّة في دار للسينما بغزّة إحدى أهمّ المحطّات الترفيهيّة لي مع زوجي".

استمرار إغلاق أبواب دار السينما خلّف حالة من الإحباط في صفوف من حضروا إلى مكان المهرجان، إذ توقّعوا أنّهم سيتمكنّون من دخولها ومشاهدة الفيلم الافتتاحيّ من داخل قاعتها.

وأكّد وكيل وزارة الثقافة في غزّة أنور البرعاوي لـ"المونيتور" أنّهم قدّموا كلّ التراخيص والتسهيلات لإقامة مهرجان السجادة الحمراء أمام "سينما عامر" بمدينة غزّة، مشيراً إلى أنّ فتح دور السينما هو قرار بيدّ أصحابها، إذ أنّ كلّ تلك الدور عقارات خاصّة، وليست حكوميّة.

من جهته، حمّل الكاتب والأديب الفلسطينيّ يسري الغول في حديث لـ"المونيتور" المؤسّسات الحكوميّة والأهليّة مسؤوليّة غياب دور السينما عن القيام بدورها في قطاع غزّة، مشيراً إلى أنّ هناك فئات مجتمعيّة تحتاج إلى أن تصحّح معتقداتها الخاطئة عن دور السينما.



مقاتلون بارزون في عرين الأسود يسلمون أنفسهم للسلطة

أحمد ابو عامر - المونيتور مدينة غزة، قطاع غزة – سلم المزيد من مقاتلي مجموعة عرين الأسود في نابلس أنفسهم للسلطة الفلسطينية،  وذلك في ظل الاتص...