أحمد أبو عامر – المونيتور
مدينة غزّة، قطاع غزّة – استأنفت المخابرات المصريّة وساطتها بين حركة "حماس"
وإسرائيل، في 10 شباط/فبراير الجاري، بهدف خفض حالة التوتّر التي سادت الحدود بين إسرائيل
وقطاع غزّة منذ منتصف كانون الثاني/يناير الماضي، وذلك في أعقاب إطلاق مجموعات
فلسطينيّة بالونات متفجّرة وقذائف صاروخيّة من قطاع غزّة باتّجاه جنوب
إسرائيل، وهو الأمر الذي قابلته إسرائيل بقصف جويّ ومدفعيّ لمواقع عسكريّة تابعة
لحركة "حماس" في القطاع.
التوتّر العسكريّ بين الجانبين، جاء على خلفيّة اتّهام حركة "حماس" إسرائيل
بالتلكّؤ في تنفيذ تفاهمات التهدئة التي تمّ التوصّل إليها في تشرين الأوّل/أكتوبر
من عام 2018، ناهيك عن الغضب الفلسطينيّ من إعلان الإدارة الأميركيّة خطّتها للسلام
في الشرق الأوسط المعروفة إعلاميّاً باسم "صفقة القرن".
ووصل وفد مصريّ مكوّن من 4 ضبّاط كبار يرأسهم
مسؤول الملف الفلسطينيّ في جهاز المخابرات المصريّ أحمد عبد الخالق إلى قطاع غزّة
في 10 شباط/فبراير الجاري، قادماً من إسرائيل، وأجرى مباحثات مع حركة
"حماس" والفصائل الفلسطينيّة في قطاع غزّة، قبل أن يغادر القطاع بعد ساعات عدّة، عائداً إلى
إسرائيل.
وكشف مسؤول مصريّ مقرّب من جهاز المخابرات، طلب عدم الإفصاح
عن هويّته، لـ"المونيتور" أنّ المباحثات التي أجراها الوفد المصريّ مع
قيادات من حركة "حماس" هدفت إلى الطلب من الحركة ضبط الحالة الأمنيّة
على طول الحدود مع قطاع غزّة والعمل على وقف إطلاق الصواريخ والبالونات المتفجّرة
باتّجاه جنوب إسرائيل، وذلك لتجنّب أيّ ردّ فعل إسرائيليّ قد يفضي إلى مواجهة
عسكريّة كبيرة قبل الانتخابات الإسرائيليّة بداية آذار/مارس المقبل.
وأوضح أنّ إسرائيل حذّرت أكثر من مرّة أنّها لن تصمت على
استمرار إطلاق الصواريخ والبالونات المتفجّرة باتّجاه جنوب إسرائيل، وأنّ صبرها
بدأ ينفد، مشيراً إلى أنّ قادة حركة "حماس" أكّدوا خلال المباحثات مع
الوفد المصري أنّهم لا يسعون إلى أيّ تصعيد عسكريّ مع إسرائيل، وأنّ إطلاق
الصواريخ يأتي من بعض الجماعات غير المنضبطة في قطاع غزّة.
وبيّن المسؤول أنّ حركة "حماس" أكّدت أنّه لا
يمكنها ضبط الحالة الأمنيّة بشكل تامّ في قطاع غزّة، في ظلّ حالة التضييق التي
تقوم بها إسرائيل وتلكّئها في تنفيذ تفاهمات التهدئة، لافتاً إلى أنّ الوفد
المصريّ غادر قطاع غزّة باتّجاه إسرائيل لوضعها في صورة المباحثات التي تمّت مع
حركة "حماس".
بشكل مفاجئ، أعادت إسرائيل في 14 توسيع مساحة الصيد
أمام الصيادين في بحر قطاع غزة لتصبح 15 ميلاً بحرياً بعد أن كانت قلصتها إلى 10 أميال بحرية في 5 فبراير
الجاري، رداً على استمرار إطلاق القذائف والبالونات المتفجرة من قطاع غزة باتجاه
جنوب إسرائيل، كما وأعادت التصاريح للتجار الذين يدخلون إسرائيل من قطاع غزة، قبل
أن تتراجع مرة أخرى في 15 فبراير الجاري، وتقوم بإلغاء تلك الخطوات بعد سقوط صاروخين في منطقة كيسوفيم جنوب إسرائيل
أطلقا من قطاع غزة.
فيما نقل تلفزيون I24 الإسرائيلي في ساعة متأخرة من مساء 13
فبراير الجاري، عن مسئول أمني إسرائيلي أن حماس أرسلت رسالة لإسرائيل تتعلق بوقف
إطلاق الصواريخ والبالونات المتفجرة باتجاه جنوب إسرائيل، وذكر المسئول الأمني أن
نهاية الأسبوع الجاري، ستكون بمثابة اختبار للاستقرار في الأحداث. وأفاد مراسل
"المونيتور" أن إطلاق البالونات المتفجرة توقف بشكل شبه تام من قطاع غزة
منذ صباح الـ 14 فبراير الجاري، فيما استمر إطلاق الصواريخ وكان آخرها في 15
فبراير الجاري.
يأتي ذلك، بعد أن صعّدت إسرائيل من تهديداتها تجاه قطاع غزّة
خلال الأيّام الماضية، وذلك في ظلّ استمرار إطلاق البالونات المتفجّرة والقذائف
الصاروخيّة من القطاع. وقال رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو في تصريحات
نقلها موقع "إسرائيل أوف تايمز" بـ11 شباط/فبراير الجاري:
"لا أسعى إلى الحرب، لكنّنا نعدّ لحماس مفاجأة حياتها، لن أكشف عنها، لكنّها
تختلف عمّا كان في السابق".
من جهتها، ردّت حركة "حماس" على تلك التهديدات،
وقال القياديّ لديها ورئيس اللجنة الاقتصاديّة في المجلس التشريعيّ عاطف عدوان
لـ"المونيتور": "إنّ التهديدات الإسرائيليّة لا تخيفنا، ونعلم أنّ
وتيرتها ترتفع مع قرب كلّ انتخابات إسرائيليّة، وذلك أنّ المرشّحين والأحزاب
الإسرائيليّة يعتقدون أنّ تهديداتهم لقطاع غزّة وحركة حماس يمكن أن ترفع من رصيدهم
في الانتخابات".
أضاف: "يمكن لإسرائيل أن تنفّذ تهديداتها وتقوم بشنّ
بعض العمليّات العسكريّة أو الأمنيّة في قطاع غزّة، لكنّها تعلم جيّداً أنّها إذا
ما بدأت بأيّ عدوان فلا يمكنها تحديد متى سيقف، وما هي نتائجه".
وشدّد على أنّ "حماس" لا تريد الحرب ولا تسعى
إليها، لكنّها لن تسمح بأن تعيش إسرائيل في حالة من الهدوء، بينما يعاني سكّان
قطاع غزّة بفعل الحصار الإسرائيليّ.
وبيّن عاطف عدوان أنّ الوفد المصريّ حمل وعوداً إسرائيليّة
بالعودة إلى تطبيق التفاهمات، في حال عاد الهدوء إلى الحدود وأوقف إطلاق الصواريخ
والبالونات المتفجّرة من قطاع غزّة، وقال: "نحن لا نثق بالوعود الإسرائيليّة،
وسنواصل الضغط على إسرائيل للتقدّم بشكل حقيقيّ في تلك التفاهمات".
زيارة الوفد المصريّ لقطاع غزّة جاءت بعد فترة غياب طويلة،
إذ كانت زيارته الأخيرة في 8 أيلول/سبتمبر من عام
2019، بهدف تثبيت حالة الهدوء بين إسرائيل وقطاع غزّة، فيما ألغى الوفد المصريّ زيارته التي كانت
مقرّرة بداية كانون الثاني/يناير الماضي، وذلك بسبب حالة الغضب المصريّ من زيارة رئيس المكتب السياسيّ لحركة
"حماس" إسماعيل هنيّة لطهران في 6 كانون الثاني/يناير الماضي، للتعزية
في مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوريّ الإيرانيّ قاسم سليماني.
ونقلت صحيفة "الأخبار" اللبنانيّة، في 11
شباط/فبراير الجاري، عن مسؤول في قطاع غزّة، لم تذكر اسمه، قوله: إنّ قائد حركة
"حماس" في غزّة يحيى السنوار اعتذر عن عدم حضور اللقاء الذي جرى مع
الوفد المصري، وذلك خشية اغتيال إسرائيل له.
ورأى الكاتب والمحلّل السياسيّ في صحيفة "فلسطين"
التابعة لحركة "حماس" إياد القرا خلال حديث لـ"المونيتور" أنّ
زيارة الوفد المصريّ نجحت بشكل جزئي في احتواء التصعيد بين الجانبين، وهو ما يفسر
توقف إطلاق البالونات من قطاع غزة باتجاه إسرائيل.
واستبعد أن يمضي بنيامين نتنياهو في تطبيق التفاهمات
الموقّعة مع حركة "حماس"، في ظلّ قرب الانتخابات الإسرائيليّة بداية آذار/مارس
المقبل، وذلك خشية تآكل الأصوات الانتخابيّة لحزبه، متوقّعاً أن تشهد الحدود بين
قطاع غزّة وإسرائيل حالة من التصعيد العسكريّ المستمرّ خلال الأيّام المقبلة.
وتوافق المحلّل السياسيّ والكاتب في صحيفة
"الأيّام" الفلسطينيّة طلال عوكل خلال حديث مع "المونيتور" مع
سابقه في أنّ إسرائيل لن تتقدّم في ملف التفاهمات مع حركة "حماس"، قبل
الانتخابات الإسرائيليّة المقبلة.
ورغم ارتفاع حدّة التهديدات الإسرائيليّة لقطاع غزّة وتراجع إسرائيل عن بعض التسهيلات
الاقتصاديّة التي قدّمتها إلى قطاع غزّة بداية شباط/فبراير الحاليّ، من منع إدخال
الاسمنت لقطاع غزة ومنع تصدير بعض المنتوجات الزراعية وتقليص مساحة الصيد، إلاّ
أنّه من المستبعد أن يصل الجانبان إلى مواجهة عسكريّة مفتوحة، وذلك في ظلّ عدم
رغبة الطرفين بها.
الرابط الأصلي: