عرض أزياء لأطفال غزّة... يكشف عن الوجه الآخر للمدينة
أحمد أبو عامر – المونيتور
مدينة غزة، قطاع غزة – تبدو ثقة الطفلة تالا عويضة (6 سنوات)
عالية بنفسها، وهي تسير على مسرح لعرض الأزياء، تحيط به أضواء وموسيقى، في مدينة غزة في 5 حزيران/يونيو
2015. وبمجرّد وصولها إلى حافّة المسرح، أدارت يمنة ويسرى، ونثرت قبلة على
الجمهور، ثمّ عادت.
الفستان الذي ارتدته تالا هو واحد من ضمن
الأزياء التي تم ابتياعها من محل الألبسة الشهير ببيع ملابس
الأطفال المستوردة في غزة "Crocodile-kids" لترتديه خصيصاً للعرض، فقد وصل سعره
65 دولاراً، وهو السعر ذاته للملابس التي ارتداها كافة الأطفال المشاركين في
الحدث.
تختلف الأجواء داخل فندق المتحف الواقع شمال غرب مدينة غزّة، والذي يعتبر
أكثر الفنادق فخامة وتكلفة، تماماً عن غيرها في غزّة المحاصرة. صفير وتصفيق حارّ
وضحكات من الحضور لتلقائية وبراءة الأطفال الذين قاموا بعمل يبدو غريباً عن ثقافة
أهل غزّة وتقاليدهم.
العرض الذي يعد الثاني من نوعه حضره قرابة الـ 200 شخص غالبيتهم من
أولياء أمور وأقارب الأطفال المشاركين، وبعض الراعين والمتبرعين للعرض.
أكّد محمّد، والد تالا، لـ"المونيتور" أنّ
"صغيرته تهوى المشاركة في الاحتفالات التي تقام للأطفال، لا سيّما بعد
التشجيع الذي يقدّم إليها داخل الأسرة"، وأنّ "حالة السعادة الكبيرة
التي ظهرت عليها جعلته يتّخذ قراراً بأن تشارك في العرض الذي سيقام الموسم المقبل
في عام 2016".
وأشار أنّ "هدفه من مشاركة طفلته في هذا العرض إدخال
السعادة إلى قلبها، وإخراجها من الحالة التي أصابتها العام الماضي نتيجة الحرب الإسرائيليّة على غزّة في شهري تمّوز/يوليو
وآب/أغسطس 2014، والتي استمرّت 51 يوماً".
أمّا خولة، والدة الطفل سعد الأطرش (5 سنوات) والتي حضرت العرض
فقالت إنّ "السبب الذي دفعها لأنّ تشرك طفلها في العرض، حالة الكبت والخوف
التي سيطرت على أطفالها خلال العام الماضي بسبب الحرب الإسرائيليّة على غزّة، وما
تبعها من تضييق وإغلاق للمعابر، وعدم تمكنّهم من السفر خارج غزّة لقضاء فترة
نقاهة".
وأضافت لـ"المونيتور": "أنا من شجّعته على
المشاركة في العرض، وعرضت عليه بعض مقاطع الفيديو ليتعرّف على كيفيّة أداء الحركات
والمشاركة في العرض، فتقبّل طفلي الفكرة، وبدأت بتدريبه استعداداً لذلك
اليوم".
وتابعت: "كان يوم العرض مختلفاً تماماً عن الأجواء
السائدة في غزّة. فالساعات الثلاث التي قضيتها أشاهد العرض، أخرجتني وزوجي وأطفالي
من حالة الإحباط التي نعيشها كما الغالبيّة العظمى من أهل غزّة، إلى حالة من
السعادة الممزوجة بالأمل، بأنّ غزّة فيها فسحة من السعادة والحياة على الرغم من الحصار والحروب المتلاحقة".
العرض الذي تخلله العديد من الفقرات الترفيهية كفقرة المهرجين،
وعازفو القانون، قامت العديد من الشركات الكبرى كـ"شركة
اليازجي" و "SpeedClick" برعايته وتحمل
نفقات اقامته، فيما قامت العديد من وسائل الإعلام المحلية بتغطيته.
ويعيش سكّان قطاع غزّة حالة من الضيق الشديد وصعوبة في الأوضاع
الاقتصاديّة نتيجة الحصار المفروض على قطاع غزّة من قبل إسرائيل منذ 8 سنوات، حيث
وصلت نسبة الفقر والبطالة إلى مستويات
قياسيّة.
وحول طبيعة الفكرة منذ بدايتها، أكّدت إحدى القائمات على العرض
فاطمة أبو عقرب، لـ"المونيتور" أنّ "الفكرة ولدت من طبيعة العمل
الذي تقوم به، وهو العمل في محلّ "Crocodile-kids"
لبيع ملابس الأطفال، في محاولة للقيام بشيء غير تقليديّ هدفه إدخال السرور إلى
قلوب الأطفال".
وأضافت في الحوار ذاته مع "المونيتور" أنّه بمجرد أن
"وضعوا إعلاناً على صفحة الفيسبوك عن العرض، بدأ الكثير من الأهالي بالتواصل
لحجز مقاعد لأطفالهم ليشاركوا في العرض، لأنّ العدد المطلوب محدود". وقالت:
"مكثت أيّاماً عدّة أدرّب مجموعة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عامين
و12 عاماً، على كيفيّة أداء الحركات، حيث شارك في العرض أكثر من 30 طفلاً وطفلة".
أثار عرض الأزياء للأطفال حالة من الشدّ والجذب بين
الفلسطينيّين في غزّة، فأيّده البعض، فيما عارضه آخرون.
قال المحلّل السياسيّ مصطفى ابراهيم، الباحث في الهيئة المستقلة
لحقوق الإنسان، وهو أحد المؤيّدين للعرض لـ"المونيتور" إنّ "العرض
يعتبر كباقي الأشياء المخفيّة في غزّة، حيث يحاول أهلها أن يعبّروا عن سعادتهم،
ويؤكّدوا أنّ غزّة مدينة للحياة وليست للموت كما يصوّرها الكثيرون".
وأضاف لـ"المونيتور": "قد يبدو أنّ العرض في
غزّة يحمل إشارات تناقض في ظلّ عدم إعمار ما دمّر خلال الحرب الإسرائيليّة الأخيرة
على غزّة في عام 2014، وارتفاع مستويات الفقر والبطالة، حيث
تعبّر هذه الصورة عن شرائح معيّنة من ميسوري الحال. ولو قدّر للفلسطينيّين في غزّة
أن يظهروا ما لديهم من أفكار وإبداعات، لقدّموا أشياء كثيرة تحسّن مستواهم
الاقتصاديّ والمعيشيّ".
بيعت أكثر من 150 تذكرة لحضور العرض، حيث وصل سعر التذكرة
الواحدة إلى 60 شيقلاً أي ما يعادل 16 دولاراً للكبار و50 شيقلاً أي ما يعادل 13
دولاراً للصغار، وهذا يعني أن غالبية من حضر هم من الطبقة الغنية أو المتوسطة في
قطاع غزة، حيث يبلغ دخل الفرد بشكل عام 2 دولار
فقط يومياً.
وذكر أحد المعارضين، المحاضر في الجامعة الإسلاميّة خالد
الخالدي لـ"المونيتور"، وهو أستاذ التاريخ الإسلامي، أنّ "رفضه
لتلك الفكرة نابع من رغبته في عدم ترويج الفعل الحرام، والأفعال غير المشروعة
للأطفال، كي لا يتّخذون ممّن قام بتلك الأعمال قدوة لهم".
وزارة الأوقاف والشئون الدينية في قطاع غزة قامت السنوات
الماضية ببعض الحملات والأنشطة التي تهدف للتأكيد على هوية المجتمع الإسلامية
كـ"حملة الفضيلة" صيف العام 2012 للحد من المظاهر
المستوردة من الغرب، وهو ما أثار عليها حملة من الانتقادات، واتهمتها بعض المؤسسات الحقوقية بأنها تنتهك الحريات العامة للسكان، على الرغم
من نفي حكومة حماس قيامها بتلك الحملات.
وأضاف الخالدي: "ما جرى في عرض الأزياء تصوير غير حقيقيّ
لغزّة وواقعها، ولا يصحّ أن يتمّ تمرير الأفكار المنحرفة للجمهور في غزّة. فاليوم
نبدأ بعرض أزياء للأطفال، وغداً يمكن أن نصبح نشاهد عرض أزياء للكبار رجالاً
ونساء، ولا بدّ من الجهّات المسؤولة في غزّة الوقوف في وجه هذه الفعاليّات".
غزة لم تشهد على مدار تاريخها أي عروض للأزياء للكبار أو
الصغار باستثناء عرض وحيد للأطفال حدث العام
الماضي 2014.
في السياق ذاته، اعتبرت المدرّسة ولاء محمّد
لـ"المونيتور"، مدرسة لغة عربية، أنّ "مثل هذه الفعاليّات تؤثر
بصورة سلبيّة في ثقافة الطفل الفلسطينيّ عندما يكبر، وهي تعارض مثل هكذا أفعال في
المجتمع الغزيّ".
وقال المهندس حسام الأغا لـ"المونيتور" وهو متخصص في
برمجة الحاسوب، إنّه "سمع عن العرض من بعض أصدقائه، وأعجبته الفكرة كثيراً،
وتمنّى أنّه لو علم بموعد إقامة العرض مسبقاً، لكان حضره".
وزارة الثقافة في غزّة أكدت أنّها لم تعط أيّ تصاريح لهذا
العرض، فما حدث عرض أزياء لأطفال صغار، وهي مسألة ليست ذات قيمة للاعتراض أو
القبول، ولا تلقى أيّ معارضة من أحد. فيما أكد القائمون على ذلك العرض أنهم لم
يتقدموا بأي طلبات تصاريح، لأن مثل هذه الفعاليات لا تحتاجها.
وأوضح وكيل وزارة الثقافة مصطفى الصوّاف
لـ"المونيتور" أنّ "غزّة ليست منعزلة عن العالم، بل هي جزء منه،
وتحتاج إلى لحظة تبرهن أنّها ليست أقلّ من أيّ مكان آخر في العالم". ولا يجد
غرابة أو ما يمنع في أن يقام هذا العرض للأطفال للتعبير عن أنفسهم ورغباتهم
في الحياة، مضيفاً أنّه طالما أنّ الأمر في حدود الأخلاق المجتمعيّة، وما يقبله
الذوق العامّ فلا مشكلة فيه".
يقدّم عرض الأزياء صورة مختلفة للعالم الخارجيّ عن غزّة، حيث
تمنح حماس مساحة واسعة من الحريّات العامّة للفلسطينيين، فلا تفرض قيوداً على
سلوكيّات الأفراد.
وهو ما قد يثير بعض ردود الأفعال عليها من بعض الحركات
الإسلاميّة الأخرى، التي تأخذ عليها أنّها لم تستغلّ السنوات السابقة لتطبيق
الشريعة الإسلاميّة في غزّة.
الرابط الأصلي:
https://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2015/06/palestine-gaza-fashion-show-children-culture-islam-religion.html#ixzz6ExHIDo93
https://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2015/06/palestine-gaza-fashion-show-children-culture-islam-religion.html#ixzz6ExHIDo93
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.