أحمد أبو عامر - المونيتور
مدينة
غزة، قطاع غزة – "متوفر لدينا دولار مجمد بنصف القيمة.. الـ 10 آلاف دولار
تباع بـ 5 آلاف للتواصل على رقم الواتس أب المرفق والتوصيل فوري لأي دولة
عربية"، كلمات حملها منشور على فيسبوك ظهر للشاب الفلسطيني فادي كساب
31 عاماً من مدينة غزة، الذي تواصل مع الرقم المعلن ليشتري الدولارات المجمدة بنصف
سعرها أملاً في الحصول على الثراء السريع.
كساب
بتواصله مع الرقم كان قد وضع قدمه في الفخ الذي نصب له لسرقة أمواله، إذ عرض عليه
البائع مجهول الاسم والمكان والعنوان شراء 200 دولار مجمد مقابل 100 دولار، وبالفعل
أرسل البائع 200 دولار لكساب وبعد تفحصها وتبديلها لعملة الشيكل الإسرائيلية في
غزة شجعه ذلك على طلب شراء 10 آلاف دولار مقابل 5 آلاف.
يقول
كساب لـ"المونيتور": "طلب مني البائع الذي قال لي أنه يتواجد في
تركيا بإرسال حوالة مالية من "ويسترين نيون" بقيمة 5 آلاف دولار كي يرسل
لي على الفور 10 آلاف دولار مجمدة، وبعد انتظار لأكثر من ساعتين من تحويل المبلغ له
لم يصلني منه شيئاً، حاولت التواصل مع البائع، ولكن رقم هاتفه أصبح خارج الخدمة،
حينها أيقنت أنني قد تعرضت لعملية سرقة".
ويضيف:
"حاولت التواصل بأكثر من طريقة مع البائع إلا أنني لم أتمكن من ذلك، وتوجهت
بعدها لأحد رجال الأمن الذين يعملون في معالجة قضايا الجرائم الإلكترونية في وزارة
الداخلية في قطاع غزة ولكنه نصحني بعدم تقديم شكاوى لأنني سأتعرض لمساءلة قانونية
أيضاً، وقد أنال عقوبة تفضي بي إلى السجن بتهمة غسيل الأموال".
الشاب
كساب واحد من عشرات الشبان الفلسطينيين في قطاع غزة الذين وقعوا ضحية عمليات النصب
والاحتيال خلال الأشهر الأخيرة والذين شاهدوا الكثير من الإعلانات
على صفحات التواصل الاجتماعي تروج لما يطلق عليه "دولار مجمد"،
ليتفاجؤوا أن "الدولار المجمد" ما هو إلا خدعة يستخدمها المحتالون في
العديد من الدول وتحديداً تركيا لسرقة أموالهم.
وظهر
مصطلح "الدولار المجمد" لأول مرة بعد حرب العراق عام 2003، إذ فقدت
البنوك العراقية مليارات الدولارات، وطلب العراق بشكل رسمي من الولايات المتحدة
الأمريكية آنذاك تجميد
جميع أرقام الأوراق النقدية التي فقدت، لتظهر تلك الدولارات في الأسواق العراقية
والعربية تباع بنصف ثمنها كون أرقامها التسلسلية مجمدة ولا يمكن إيداعها في
البنوك، وإنما بالإمكان صرفها لشراء أي شيء بعيداً عن البنوك، ليعود مصطلح
"الدولار المجمد" مجدداً بعد سرقة
ملايين الدولارات من البنوك الليبية في أعقاب سقوط الرئيس السابق
معمر القذافي.
الشاب
أسامة قنديل 28 عاماً من مدينة غزة تدارك نفسه في آخر لحظة من عملية احتيال مشابهة
للتي وقع فيها كساب، بعد مشاهدته لإعلان على فيسبوك لبيع "الدولار
المجمد"، وبعد تواصله مع البائع عرض أسامة على البائع الذي يتواجد في تركيا
إرسال مبلغ من الدولارات لصديقه في إسطنبول ومن هناك يقوم البائع بتسليم الدولارات
لصديقه، أي عملية مبادلة "كاش تو كاش".
ويضيف
أسامة لـ"المونيتور": "إلا أن البائع رفض ذلك، وطلب مني إرسال
المبلغ بحوالة مالية من غزة إلى إسطنبول وإخفاء آخر رقمين من الحوالة المالية وعند
استلامي المبلغ في غزة عبر حوالة مالية يرسلها لي البائع أقوم بإعطائه آخر رقمين
من الحوالة التي أرسلتها سابقاً".
الشاب
الفلسطيني لم ترق له تلك المحاولات من قبل البائع وتواصل مع أحد أصحاب محال
الصرافة في غزة والذي حذره من أن ما طلبه البائع هي عملية احتيال، ويمكنه سرقة
الأموال التي ينوي القيام بإرسالها له، ما دفع بأسامة للعدول عن ذلك، وبدأ بتحذير
أقاربه وأصدقائه من ذلك الأسلوب في الاحتيال.
حاول
مراسل "المونيتور" التواصل مع بعض بائعي "الدولار المجمد" عبر
صفحاتهم عبر فيسبوك أو أرقام الواتس أب المعلنة إلا أنهم رفضوا التجاوب بمجرد أنهم
عرفوا أنه يقوم بعمل تقرير صحفي عن "الدولار المجمد".
مسئول
في وحدة الجرائم الإلكترونية بوزارة الداخلية في غزة طلب عدم الكشف عن هويته ذكر
لـ"المونيتور" أن عشرات الشكاوى يتلقونها بشكل شهري من أشخاص تعرضوا لعمليات
نصب واحتيال تحت مسمى "الدولار المجمد"، لافتاً إلى أن غالبية تلك
الشكاوى يتم التراجع عنها من قبل أصحابها خوفاً من مسائلتهم قانونياً.
وأوضح
المسئول أن عملهم في جانب الجرائم الإلكترونية وغسيل الأموال يقتصر على قطاع غزة
فقط، وغالبية الحالات التي تعرضت للسرقة تحت مسمى "الدولار المجمد" هي
من قبل أشخاص في الدول العربية وتركيا، مشيراً إلى أن القانون يعاقب بالسجن
والغرامة كل من يقوم بشراء عملات غير قانونية لأنها تصنف تحت مصطلح "غسيل
الأموال".
وينص
قانون
الجرائم الإلكترونية الفلسطيني
رقم 10 لسنة 2018، في مادته رقم 18 بالسجن لمدة لا تقل عن عام أو غرامة تتراوح ما
بين ألف و3 آلاف دينار أردني أو العقوبتين معاً لمن يرتكب جريمة غسيل الأموال.
مدير
شركة "البرعصي
للصرافة والحوالات المالية" في غزة سعد البرعصي كشف لـ"المونيتور"
عن بعض الأساليب التي يستخدمها المحتالون لسرقة أموال الشبان بعد إغرائهم بشراء ما
يسمى "الدولار المجمد" والذي يؤكد البرعصي أن ما يتم ترويجه هو دولار
مزور تحت مسمى "الدولار المجمد" أو عملية سرقة بدون تقديم أي عملات
مقابل التي يرسلها الضحية.
وبين
البرعصي أن الكثير من المحتالين يقومون بالطلب من الضحية إرسال حوالة مالية من
"ويسترن يونيون" أو "باي بال" بالمبلغ الذي يريد شراء به
دولارات مزورة على أنها مجمدة، وإخفاء آخر رقمين من الحوالة المالية ليوهم الضحية
أن ما يقوم به صحيح وقانوني ويحفظ أمواله، مشيراً إلى أن المحتال يقوم بعد ذلك
وبالتعاون مع بعض شركات الصرافة التي تساعدهم في الاحتيال بمحاولات عدة عبر وضع
آخر رقمين بشكل تسلسلي من 1-10 لمعرفة الرقمين المخفيين ومن ثم سرقة الأموال
المرسلة من الضحية.
وأوضح
البرعصي أن "الدولار المجمد" في الأصل هو دولار حقيقي ويمكن التعامل معه
في الأسواق، ولكن إذا وصلت أي ورقة نقدية مجمدة لأي بنك يتم الحجز عليها
ومصادرتها، متسائلاً: "لماذا لا يقوم المحتال بصرف تلك الأموال في الأسواق
بدل أن يقوم ببيعها بنصف ثمنها؟".
وشدد
على أنهم وخلال الأشهر الأخيرة أنقذوا أكثر من 50 ضحية في غزة من الوقع في فخ
"الدولار المجمد"، وحذروهم من أن ما يتم هو عملية احتيال.