الخميس، 9 يوليو 2020

"الدولار المجمد" أسلوب جديد للاحتيال على شبان قطاع غزة


أحمد أبو عامر - المونيتور

مدينة غزة، قطاع غزة – "متوفر لدينا دولار مجمد بنصف القيمة.. الـ 10 آلاف دولار تباع بـ 5 آلاف للتواصل على رقم الواتس أب المرفق والتوصيل فوري لأي دولة عربية"، كلمات حملها منشور على فيسبوك ظهر للشاب الفلسطيني فادي كساب 31 عاماً من مدينة غزة، الذي تواصل مع الرقم المعلن ليشتري الدولارات المجمدة بنصف سعرها أملاً في الحصول على الثراء السريع.

كساب بتواصله مع الرقم كان قد وضع قدمه في الفخ الذي نصب له لسرقة أمواله، إذ عرض عليه البائع مجهول الاسم والمكان والعنوان شراء 200 دولار مجمد مقابل 100 دولار، وبالفعل أرسل البائع 200 دولار لكساب وبعد تفحصها وتبديلها لعملة الشيكل الإسرائيلية في غزة شجعه ذلك على طلب شراء 10 آلاف دولار مقابل 5 آلاف.

يقول كساب لـ"المونيتور": "طلب مني البائع الذي قال لي أنه يتواجد في تركيا بإرسال حوالة مالية من "ويسترين نيون" بقيمة 5 آلاف دولار كي يرسل لي على الفور 10 آلاف دولار مجمدة، وبعد انتظار لأكثر من ساعتين من تحويل المبلغ له لم يصلني منه شيئاً، حاولت التواصل مع البائع، ولكن رقم هاتفه أصبح خارج الخدمة، حينها أيقنت أنني قد تعرضت لعملية سرقة".

ويضيف: "حاولت التواصل بأكثر من طريقة مع البائع إلا أنني لم أتمكن من ذلك، وتوجهت بعدها لأحد رجال الأمن الذين يعملون في معالجة قضايا الجرائم الإلكترونية في وزارة الداخلية في قطاع غزة ولكنه نصحني بعدم تقديم شكاوى لأنني سأتعرض لمساءلة قانونية أيضاً، وقد أنال عقوبة تفضي بي إلى السجن بتهمة غسيل الأموال".

الشاب كساب واحد من عشرات الشبان الفلسطينيين في قطاع غزة الذين وقعوا ضحية عمليات النصب والاحتيال خلال الأشهر الأخيرة والذين شاهدوا الكثير من الإعلانات على صفحات التواصل الاجتماعي تروج لما يطلق عليه "دولار مجمد"، ليتفاجؤوا أن "الدولار المجمد" ما هو إلا خدعة يستخدمها المحتالون في العديد من الدول وتحديداً تركيا لسرقة أموالهم.

وظهر مصطلح "الدولار المجمد" لأول مرة بعد حرب العراق عام 2003، إذ فقدت البنوك العراقية مليارات الدولارات، وطلب العراق بشكل رسمي من الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك تجميد جميع أرقام الأوراق النقدية التي فقدت، لتظهر تلك الدولارات في الأسواق العراقية والعربية تباع بنصف ثمنها كون أرقامها التسلسلية مجمدة ولا يمكن إيداعها في البنوك، وإنما بالإمكان صرفها لشراء أي شيء بعيداً عن البنوك، ليعود مصطلح "الدولار المجمد" مجدداً بعد سرقة ملايين الدولارات من البنوك الليبية في أعقاب سقوط الرئيس السابق معمر القذافي.

الشاب أسامة قنديل 28 عاماً من مدينة غزة تدارك نفسه في آخر لحظة من عملية احتيال مشابهة للتي وقع فيها كساب، بعد مشاهدته لإعلان على فيسبوك لبيع "الدولار المجمد"، وبعد تواصله مع البائع عرض أسامة على البائع الذي يتواجد في تركيا إرسال مبلغ من الدولارات لصديقه في إسطنبول ومن هناك يقوم البائع بتسليم الدولارات لصديقه، أي عملية مبادلة "كاش تو كاش".

ويضيف أسامة لـ"المونيتور": "إلا أن البائع رفض ذلك، وطلب مني إرسال المبلغ بحوالة مالية من غزة إلى إسطنبول وإخفاء آخر رقمين من الحوالة المالية وعند استلامي المبلغ في غزة عبر حوالة مالية يرسلها لي البائع أقوم بإعطائه آخر رقمين من الحوالة التي أرسلتها سابقاً".

الشاب الفلسطيني لم ترق له تلك المحاولات من قبل البائع وتواصل مع أحد أصحاب محال الصرافة في غزة والذي حذره من أن ما طلبه البائع هي عملية احتيال، ويمكنه سرقة الأموال التي ينوي القيام بإرسالها له، ما دفع بأسامة للعدول عن ذلك، وبدأ بتحذير أقاربه وأصدقائه من ذلك الأسلوب في الاحتيال.

حاول مراسل "المونيتور" التواصل مع بعض بائعي "الدولار المجمد" عبر صفحاتهم عبر فيسبوك أو أرقام الواتس أب المعلنة إلا أنهم رفضوا التجاوب بمجرد أنهم عرفوا أنه يقوم بعمل تقرير صحفي عن "الدولار المجمد".

مسئول في وحدة الجرائم الإلكترونية بوزارة الداخلية في غزة طلب عدم الكشف عن هويته ذكر لـ"المونيتور" أن عشرات الشكاوى يتلقونها بشكل شهري من أشخاص تعرضوا لعمليات نصب واحتيال تحت مسمى "الدولار المجمد"، لافتاً إلى أن غالبية تلك الشكاوى يتم التراجع عنها من قبل أصحابها خوفاً من مسائلتهم قانونياً.

وأوضح المسئول أن عملهم في جانب الجرائم الإلكترونية وغسيل الأموال يقتصر على قطاع غزة فقط، وغالبية الحالات التي تعرضت للسرقة تحت مسمى "الدولار المجمد" هي من قبل أشخاص في الدول العربية وتركيا، مشيراً إلى أن القانون يعاقب بالسجن والغرامة كل من يقوم بشراء عملات غير قانونية لأنها تصنف تحت مصطلح "غسيل الأموال".

وينص قانون الجرائم الإلكترونية الفلسطيني رقم 10 لسنة 2018، في مادته رقم 18 بالسجن لمدة لا تقل عن عام أو غرامة تتراوح ما بين ألف و3 آلاف دينار أردني أو العقوبتين معاً لمن يرتكب جريمة غسيل الأموال.

مدير شركة "البرعصي للصرافة والحوالات المالية" في غزة سعد البرعصي كشف لـ"المونيتور" عن بعض الأساليب التي يستخدمها المحتالون لسرقة أموال الشبان بعد إغرائهم بشراء ما يسمى "الدولار المجمد" والذي يؤكد البرعصي أن ما يتم ترويجه هو دولار مزور تحت مسمى "الدولار المجمد" أو عملية سرقة بدون تقديم أي عملات مقابل التي يرسلها الضحية.

وبين البرعصي أن الكثير من المحتالين يقومون بالطلب من الضحية إرسال حوالة مالية من "ويسترن يونيون" أو "باي بال" بالمبلغ الذي يريد شراء به دولارات مزورة على أنها مجمدة، وإخفاء آخر رقمين من الحوالة المالية ليوهم الضحية أن ما يقوم به صحيح وقانوني ويحفظ أمواله، مشيراً إلى أن المحتال يقوم بعد ذلك وبالتعاون مع بعض شركات الصرافة التي تساعدهم في الاحتيال بمحاولات عدة عبر وضع آخر رقمين بشكل تسلسلي من 1-10 لمعرفة الرقمين المخفيين ومن ثم سرقة الأموال المرسلة من الضحية.

وأوضح البرعصي أن "الدولار المجمد" في الأصل هو دولار حقيقي ويمكن التعامل معه في الأسواق، ولكن إذا وصلت أي ورقة نقدية مجمدة لأي بنك يتم الحجز عليها ومصادرتها، متسائلاً: "لماذا لا يقوم المحتال بصرف تلك الأموال في الأسواق بدل أن يقوم ببيعها بنصف ثمنها؟".

وشدد على أنهم وخلال الأشهر الأخيرة أنقذوا أكثر من 50 ضحية في غزة من الوقع في فخ "الدولار المجمد"، وحذروهم من أن ما يتم هو عملية احتيال.

الثلاثاء، 7 يوليو 2020

صواريخ حماس التجريبية.. رسائل من نار تسبق خطة الضم



أحمد أبو عامر - المونيتور
مدينة غزة، قطاع غزة – صعدت المناقشات التي تجريها الحكومة الإسرائيلية لضم أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن لـ(إسرائيل) خلال يوليو الجاري، من نبرة التهديد المتبادل بين (إسرائيل) والفلسطينيين، وكان آخرها إطلاق الجناح المسلح لحركة حماس "كتائب عز الدين القسام" لـ 24 صاروخاً و20 قذيفةً هاون من العيار الثقيل تجاه بحر قطاع غزة في الأول والثالث من يوليو الجاري.

التجارب الصاروخية التي سمع صوتها سكان قطاع غزة استمرت لساعات عدة، وتدرجت تلك الصواريخ في مدياتها لتصل إلى أكثر من 100 كلم، وهذه هي المرة الأولى التي تطلق فيها الحركة هذا العدد الكبير من الصواريخ في إطار تجاربها الصاروخية.

توقيت إطلاق الصواريخ لم يكن عفوياً، بل جاء في الموعد الذي كانت حددته (إسرائيل) سابقاً لبدء ضم غور الأردن وأجزاء من الضفة الغربية إلى (إسرائيل)، إلا أنها لم تفعل ذلك حتى اليوم، وذلك في ظل الخلافات الحادة داخل الحكومة الإسرائيلية وعدم الحصول على ضوء أخضر أمريكي، وكذلك الخشية من تفجر مواجهة عسكرية مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة وحل السلطة الفلسطينية لنفسها إن تمت عملية الضم.

وسبق تلك التجارب، خطاب متلفز للناطق العسكري باسم الجناح المسلح لحركة حماس "أبو عبيدة" في 25 يونيو الماضي، والذي اعتبر خلاله قرار ضم أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن بمثابة إعلان حرب، وهدد بأن الفصائل الفلسطينية ستجعل (إسرائيل) تعض أصابع الندم إن نفذت قرارها بالضم.

(إسرائيل) من جانبها، تلقفت الرسائل التي دفعت بها حماس، وهدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 2 يوليو الجاري، بتوجيه ضربةً قاضية لمن يحاول مهاجمة (إسرائيل)، وأضاف نتنياهو: "التحديات الأمنية التي نواجهها تلزمنا الترقب المستمر، نحن على أهبة الاستعداد للدفاع عن أنفسنا بحراً وجواً وبراً، بما في ذلك من خلال إقامة الحاجز ضد الأنفاق على طول حدود قطاع غزة (..)، وكل من سيحاول أن يتحدانا من خلال القيام بأعمال عنف سيتكبد ضربة قاضية".

مسئول في حركة حماس طلب عدم الكشف عن هويته ذكر لـ"المونيتور" أن التجارب الصاروخية التي يجريها الجناح العسكري بين وقت وآخر هدفها زيادة تطوير القدرات العسكرية لمواجهة أي مخططات إسرائيلية لمهاجمة الشعب الفلسطيني، وذلك في ظل صعوبة تهريب الأسلحة من خارج قطاع غزة.

ورفض المسئول في حماس التعليق على التصريحات الإعلامية الإسرائيلية التي تقول إن هدف التجارب الأخيرة إرسال رسائل لـ(إسرائيل) في حال نفذت الضم، وقال: "لن أعلق على تلك التصريحات، موقفنا واضح في حال نفذت خطة الضم وأعلنا ذلك في خطاب رسمي".

وأضاف: "نحن لا نسعى للحرب ولا نريدها، ولكن إذا فرضتها علينا (إسرائيل) فلن نتردد في خوضتها دفعاً عن شعبنا".

من جانبه، أكد "أبو عطايا" الناطق باسم ألوية الناصر صلاح الدين لـ"المونيتور" أن الصواريخ التي أطلقت تجاه البحر هي رسائل من نار وعلى الحكومة الإسرائيلية أن تعيها قبل أن تقدم على تنفيذ خطة الضم، محذراً من أن لديهم المزيد من الرسائل القوية إن لم تعي (إسرائيل) رسائل الصواريخ الأخيرة.

وأوضح أبو عطايا أن فصائل المقاومة الفلسطينية موحدة في قرار الرد العسكري من خلال غرفة العمليات المشتركة، محملاً (إسرائيل) المسئولية عن أي حرب أو مواجهة عسكرية كبيرة قد تحدث.

الإعلام الإسرائيلي فهم أيضاً أن التجارب الصاروخية لحماس بمثابة رسائل لـ(إسرائيل) بأنها ستنفذ تهديداتها إن طبقت خطة الضم، وعلق المراسل العسكري لصحيفة يديعوت أحرنوت إليئور ليفي في تغريدة له على تويتر في 1 يوليو الجاري قبل أن يقوم بحذفها بالقول: "على غير العادة، خلال الليل أطلقت الأذرع المسلحة في غزة -على ما يبدو حماس- رشقة صواريخ باتجاه البحر، ويعد الإطلاق كإشارة حول النوايا إذا أعلنت إسرائيل ضم أجزاء من الضفة الغربية". فيما أعلنت بلدية عسقلان جنوب (إسرائيل) في 1 يوليو الجاري، عن استعداداتها لفتح الملاجئ بشكل جزئي إن أطلقت الصواريخ من غزة باتجاه المدينة.

المحلل السياسي ورئيس التحرير السابق لصحيفة فلسطين المقربة من حركة حماس مصطفى الصواف اعتبر في حديث مع "المونيتور" الصواريخ والقذائف التي أطلقها الجناح المسلح لحركة حماس في 1 و 3 يوليو الجاري، بمثابة رسائل من نار موجهة للقيادتين السياسية والعسكرية في (إسرائيل) في حال أخطأت التقدير ونفذت قرار ضم أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن.

وقال الصواف: "مديات الصواريخ البعيدة التي أطلقت توحي أنه ما لدى حماس من صواريخ يمكنه أن يصل إلى أي مكان في إسرائيل".

من جانبه، رأى الخبير العسكري واللواء الفلسطيني المتقاعد يوسف الشرقاوي لـ"المونيتور" أن إطلاق حماس الصواريخ والقذائف حمل رسالتين الأولى لـ(إسرائيل) بأنها ستنفذ تهديداتها في حال طبقت خطة الضم، والرسالة الثانية جاءت لطمأنة الشارع الفلسطيني أن لدى الفصائل الفلسطينية ما يمكنه أن يردع (إسرائيل) عن القيام بخطواتها.

وأوضح الشرقاوي أن حماس تعي جيداً أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية هي الخاصرة الضعيفة لـ(إسرائيل) ومهاجمتها بالصواريخ في أي مواجهة مقبلة هو ما سيحقق لها نقاط التقدم العسكري لا سيما وأن التحصينات الإسرائيلية الكبيرة على طول الحدود مع قطاع غزة براً وبحراً يمكن أن يعيق العمليات التي كانت تخططها لها عسكرياً في المواجهات المستقبلية.

وكانت آخر مواجهة عسكرية بين حماس وإسرائيل في مايو 2019، أطلقت خلالها الحركة قرابة الـ 700 صاروخ خلال يومين فقط على المدن والكيبوتسات الإسرائيلية القريبة من قطاع غزة، وأحدثت دماراً في بعض المنازل بمدينة عسقلان جنوب (إسرائيل)، وأظهرت بشكل عملي حجم التطور الذي وصلت إليه صواريخ حماس.

تركز حماس والفصائل الفلسطينية في السنوات الأخيرة في تجاربها الصاروخية على الدقة والقوة التدميرية وكذلك محاولة تشويش عمل القبة الحديدية الإسرائيلية لاعتراض الصواريخ، وهي أمور حققتها بنسب متفاوتة، وقدرت مصادر عسكرية إسرائيلية في فبراير 2020، أن ما تمتلكه حركتي حماس والجهاد الإسلامي فقط من صواريخ يفوق الـ 20 ألف صاروخ.

الأربعاء، 1 يوليو 2020

هكذا يكافح الفلسطينيون من أجل الحفاظ على منازلهم الأثرية في غزة



أحمد أبو عامر - المونيتور
مدينة غزة، قطاع غزة – تحتضن مدينة غزة عشرات المنازل الأثرية القديمة والتي يعود تاريخ بعضها إلى مئات السنين وأصبحت آيلة للسقوط بفعل العوامل الطبيعية وضعف الرعاية الرسمية لتلك المنازل، الأمر الذي دفع برجل الأعمال الفلسطيني جودت الخضري للبدء في النصف الأول من يونيو الجاري، بمرحلةً جديدةً نحو هدفه بالحفاظ على تراث مدينة غزة ومنازلها الأثرية، وذلك عبر شراء بعض تلك المنازل من أصحابها والمسارعة إلى ترميمها وإعادة الحياة لها.

الخضري الذي استطاع خلال السنوات الأخيرة ترميم 4 منازل من أصل 5 امتلكها وسط مدينة غزة، أوضح لـ"المونيتور" أن عملية ترميم المنازل الأثرية بحاجة إلى جهد كبير قد يمتد لأشهر طويلة من العمل المتواصل والكثير من الأموال، مشيراً إلى أن عمليات الترميم أظهرت الحقب التاريخية والحضارات التي عاشت في مدينة غزة خلال مئات وآلاف السنين الماضية.

وأوضح الخضري أن مهمة الحفاظ على تراث غزة لا تقتصر على المؤسسات الحكومية أو التراثية فقط، وإنما هي جهد يقع على عاتق كل فرد يستطيع أن يقوم بتلك المهمة أو المساعدة فيها، لا سيما وأن ما تبقى من تلك المنازل قليل جداً.

مراسل "المونيتور" تجول في المنطقة التي يطلق عليها اسم "غزة القديمة" والتي تضم المنازل الأثرية وسط مدينة غزة، وشاهد العديد من تلك المنازل قد دمرتها الجرافات وأقيم مكانها بنايات سكنية ومحال تجارية حديثة، وتبقى القليل من المنازل الأثرية المهجورة والمهددة بالهدم.

التقينا في أحد المنازل الأثرية التي يتم ترميمها خبير الأثار والترميم سليمان هاشم الذي يشرف على ترميم منزل أثري تزيد مساحته عن الـ 325 متراً، وذكر لـ"المونيتور" أن المنزل الذي يشرف على ترميمه حالياً يعود تاريخه إلى الحقبة البيزنطية، ومن ثم تعاقبت على إعماره وتشيده حقب تاريخية أخرى عاشت فيه كالمملوكية والعثمانية والبريطانية.

ويساعد هاشم في عملية ترميم المنزل 5 من المهرة في ترميم الآثار والذين تدربوا على يد خبراء فرنسيين يتواجدون حالياً في قطاع غزة، واستطاع المهرة ترميم أكثر من 70 بالمائة من المنزل خلال أشهر عدة، مشيراً إلى أن عملية ترميم المنزل الواحد بحاجة إلى أموال كثيرة ومواد بناء وترميم خاصة يتم جلبها من منازل أثرية انهارت بشكل كامل أو قام أصحابها بهدمها.

وأشار هاشم الذي شارك في ترميم العديد من المنازل الأثرية في مدينة غزة، أن عملية ترميم المنزل الواحد تستغرق من 6 أشهر – عامين، لافتاً إلى أن قطاع غزة يحتوي على أكثر من 100 منزل ومؤسسة أثرية يعود تاريخها إلى آلاف أو مئات السنين وهي بحاجة لترميم واهتمام مستمر.

ضعف التمويل الحكومي وكذلك الخارجي يعدان من أبرز المعيقات أمام الحفاظ على تراث غزة، الأمر الذي دفع ببعض المؤسسات ورجال الأعمال إلى شراء وترميم تلك المنازل واستخدامها كمشاريع ثقافية كمدارس أو مكتبات للأطفال، أو تجارية كمطاعم تجذب إليها سكان قطاع غزة الذين يفضلون ارتياد تلك المنازل لتناول الطعام أو قضاء أوقات السهر فيها.

مدير الإدارة العامة للآثار في وزارة السياحة والآثار في مدينة غزة جمال أبو ريدة أوضح لـ"المونيتور" أن المجهودات الفردية التي يقوم بها رجال الأعمال وكذلك الجهود الحكومية بالتعاون مع بعض مؤسسات الحفاظ على التراث تبقى متواضعة أمام عدد المنازل والمؤسسات الأثرية التي بحاجة لترميم ورعاية.

وأشار أبو ريدة أن الوزارة ليس لديها الأموال التي يمكن من خلالها تمويل ترميم المنازل أو الأماكن الأثرية في قطاع غزة، لافتاً إلى أن اليونسكو تعد الجهة الخارجية الوحيدة التي تقدم الدعم المالي للترميم، مستدركاً: "إلا أن ما تقدمه يبقى بسيطاً أيضاً وعلى فترات متباعدة".

وبين أن وزارته حاولت الحصول خلال الأشهر الماضية الحصول على تمويل من جهات عربية ودولية كمؤسسة "تيكا" التركية لترميم منازل يعود تاريخها للعهد العثماني إلا أنهم فشلوا في ذلك.

وحول موقف الوزارة من هدم بعض المنازل الأثرية من قبل بعض المستثمرين قال أبو ريدة: "حدثت هناك العديد من عمليات الهدم خلال السنوات الأخيرة وكان آخرها قيام أحد المستثمرين بهدم منزلين أثريين بداية العام الجاري، وأنشأ مكانهما بنايات سكنية كبيرة، الأمر الذي دفعنا للبدء بملاحقته قضائياً".

ويحظر قانون التراث الفلسطيني الصادر عام 2018، في مادته رقم 17 هدم أو العبث بالأماكن الأثرية، ونص القانون ذاته في مادته رقم 64 المعاقبة بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف دينار أردني، ولا تزيد على ثلاثين ألف دينار أردني، أو ما يعادلها من العملة المتداولة قانوناً، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام بهدم تراثاً ثابتاً بشكل كلي أو جزئي دون الحصول على إذن خطي من وزارة السياحة والآثار.

من جانبه، كشف محمود البلعاوي مسئول مشاريع الحفاظ على التراث الثقافي في مركز إيوان بالجامعة الإسلامية في غزة لـ"المونيتور" أنهم سيبدؤون خلال الأيام المقبلة بالبدء بترميم منزل أثري في حي الدرج شرق مدينة غزة يعود تاريخه إلى أكثر من 120 عاماً بعد أن تمكنوا من الحصول على تمويل لترميمه.

وأوضح البلعاوي أن مركزه استطاع المشاركة في الحفاظ على تراث مدينة غزة من خلال 3 خطوات قاموا بها على مدار السنوات الـ 15 الماضية والمتمثلة في أعمال التنظيف وإزالة الأنقاض والأتربة من 65 منزلاً أثرياً وكذلك الترميم الجزئي لـ 35 منزلاً والترميم الكلي لـ 7 منازل.

وشدد البلعاوي أن غياب التمويل والتشريعات الفلسطينية تمثلان التحدي الأكبر في الحفاظ على تراث غزة من الاندثار، مشيراً إلى أن تكلفة ترميم المنزل الواحد لا تتعدى الـ 60 ألف دولار فقط، وهو مبلغ بسيط في سبيل الحفاظ على التراث، وهو الأمر الذي دفع ببعض رجال الأعمال لترميم بعض المنازل بعد شراء للحفاظ عليها أو لاستخدامها كمشاريع تجارية.

وعلى الرغم من نجاح بعض المبادرات الفردية في الحفاظ على ما تبقى من منازل غزة الأثرية، يبقى التحدي الأكبر أمام عدد المنازل المهجورة والتي لم تصلها مشاريع الترميم ومهددة بالانهيار بفعل العوامل الطبيعية أو بسبب سرقة حجارتها من قبل بعض اللصوص وتجار الآثار.

مقاتلون بارزون في عرين الأسود يسلمون أنفسهم للسلطة

أحمد ابو عامر - المونيتور مدينة غزة، قطاع غزة – سلم المزيد من مقاتلي مجموعة عرين الأسود في نابلس أنفسهم للسلطة الفلسطينية،  وذلك في ظل الاتص...