أحمد
أبو عامر - المونيتور
مدينة
غزة، قطاع غزة – تحتضن مدينة غزة عشرات المنازل الأثرية القديمة والتي يعود تاريخ
بعضها إلى مئات السنين وأصبحت آيلة للسقوط بفعل العوامل الطبيعية وضعف الرعاية
الرسمية لتلك المنازل، الأمر الذي دفع برجل الأعمال الفلسطيني جودت الخضري للبدء في
النصف الأول من يونيو الجاري، بمرحلةً جديدةً نحو هدفه بالحفاظ على تراث مدينة غزة
ومنازلها الأثرية، وذلك عبر شراء بعض تلك المنازل من أصحابها والمسارعة إلى
ترميمها وإعادة الحياة لها.
الخضري
الذي استطاع خلال السنوات الأخيرة ترميم 4 منازل من أصل 5 امتلكها وسط مدينة غزة،
أوضح لـ"المونيتور" أن عملية ترميم المنازل الأثرية بحاجة إلى جهد كبير
قد يمتد لأشهر طويلة من العمل المتواصل والكثير من الأموال، مشيراً إلى أن عمليات
الترميم أظهرت الحقب التاريخية والحضارات التي عاشت في مدينة غزة خلال مئات وآلاف
السنين الماضية.
وأوضح
الخضري أن مهمة الحفاظ على تراث غزة لا تقتصر على المؤسسات الحكومية أو التراثية
فقط، وإنما هي جهد يقع على عاتق كل فرد يستطيع أن يقوم بتلك المهمة أو المساعدة
فيها، لا سيما وأن ما تبقى من تلك المنازل قليل جداً.
مراسل
"المونيتور" تجول في المنطقة التي يطلق عليها اسم "غزة
القديمة" والتي تضم المنازل الأثرية وسط مدينة غزة، وشاهد العديد من تلك
المنازل قد دمرتها الجرافات وأقيم مكانها بنايات سكنية ومحال تجارية حديثة، وتبقى
القليل من المنازل الأثرية المهجورة والمهددة بالهدم.
التقينا
في أحد المنازل الأثرية التي يتم ترميمها خبير الأثار والترميم سليمان هاشم الذي
يشرف على ترميم منزل أثري تزيد مساحته عن الـ 325 متراً، وذكر
لـ"المونيتور" أن المنزل الذي يشرف على ترميمه حالياً يعود تاريخه إلى
الحقبة البيزنطية، ومن ثم تعاقبت على إعماره وتشيده حقب تاريخية أخرى عاشت فيه
كالمملوكية والعثمانية والبريطانية.
ويساعد
هاشم في عملية ترميم المنزل 5 من المهرة في ترميم الآثار والذين تدربوا على يد
خبراء فرنسيين يتواجدون حالياً في قطاع غزة، واستطاع المهرة ترميم أكثر من 70
بالمائة من المنزل خلال أشهر عدة، مشيراً إلى أن عملية ترميم المنزل الواحد بحاجة
إلى أموال كثيرة ومواد بناء وترميم خاصة يتم جلبها من منازل أثرية انهارت بشكل
كامل أو قام أصحابها بهدمها.
وأشار
هاشم الذي شارك في ترميم العديد من المنازل الأثرية في مدينة غزة، أن عملية ترميم
المنزل الواحد تستغرق من 6 أشهر – عامين، لافتاً إلى أن قطاع غزة يحتوي على أكثر
من 100 منزل ومؤسسة أثرية يعود تاريخها إلى آلاف أو مئات السنين وهي بحاجة لترميم
واهتمام مستمر.
ضعف
التمويل الحكومي وكذلك الخارجي يعدان من أبرز المعيقات أمام الحفاظ على تراث غزة، الأمر
الذي دفع ببعض المؤسسات ورجال الأعمال إلى شراء وترميم تلك المنازل واستخدامها
كمشاريع ثقافية كمدارس
أو مكتبات للأطفال، أو تجارية كمطاعم
تجذب إليها سكان قطاع غزة الذين يفضلون ارتياد تلك المنازل لتناول الطعام أو قضاء
أوقات السهر فيها.
مدير
الإدارة العامة للآثار في وزارة السياحة والآثار في مدينة غزة جمال أبو ريدة أوضح
لـ"المونيتور" أن المجهودات الفردية التي يقوم بها رجال الأعمال وكذلك
الجهود الحكومية بالتعاون مع بعض مؤسسات الحفاظ على التراث تبقى متواضعة أمام عدد
المنازل والمؤسسات الأثرية التي بحاجة لترميم ورعاية.
وأشار
أبو ريدة أن الوزارة ليس لديها الأموال التي يمكن من خلالها تمويل ترميم المنازل
أو الأماكن الأثرية في قطاع غزة، لافتاً إلى أن اليونسكو تعد الجهة الخارجية الوحيدة
التي تقدم الدعم المالي للترميم، مستدركاً: "إلا أن ما تقدمه يبقى بسيطاً
أيضاً وعلى فترات متباعدة".
وبين
أن وزارته حاولت الحصول خلال الأشهر الماضية الحصول على تمويل من جهات عربية
ودولية كمؤسسة "تيكا" التركية لترميم منازل يعود تاريخها للعهد العثماني
إلا أنهم فشلوا في ذلك.
وحول
موقف الوزارة من هدم بعض المنازل الأثرية من قبل بعض المستثمرين قال أبو ريدة:
"حدثت هناك العديد من عمليات الهدم خلال السنوات الأخيرة وكان آخرها قيام أحد
المستثمرين بهدم منزلين أثريين بداية العام الجاري، وأنشأ مكانهما بنايات سكنية
كبيرة، الأمر الذي دفعنا للبدء بملاحقته قضائياً".
ويحظر
قانون
التراث الفلسطيني الصادر عام 2018، في
مادته رقم 17 هدم أو العبث بالأماكن الأثرية، ونص القانون ذاته في مادته رقم 64 المعاقبة
بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف دينار أردني، ولا
تزيد على ثلاثين ألف دينار أردني، أو ما يعادلها من العملة المتداولة قانوناً، أو
بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام بهدم تراثاً ثابتاً بشكل كلي أو جزئي دون الحصول
على إذن خطي من وزارة السياحة والآثار.
من
جانبه، كشف محمود البلعاوي مسئول مشاريع الحفاظ على التراث الثقافي في مركز إيوان
بالجامعة الإسلامية في غزة لـ"المونيتور" أنهم سيبدؤون خلال الأيام
المقبلة بالبدء بترميم منزل أثري في حي الدرج شرق مدينة غزة يعود تاريخه إلى أكثر
من 120 عاماً بعد أن تمكنوا من الحصول على تمويل لترميمه.
وأوضح
البلعاوي أن مركزه استطاع المشاركة في الحفاظ على تراث مدينة غزة من خلال 3 خطوات
قاموا بها على مدار السنوات الـ 15 الماضية والمتمثلة في أعمال التنظيف وإزالة
الأنقاض والأتربة من 65 منزلاً أثرياً وكذلك الترميم الجزئي لـ 35 منزلاً والترميم
الكلي لـ 7 منازل.
وشدد
البلعاوي أن غياب التمويل والتشريعات الفلسطينية تمثلان التحدي الأكبر في الحفاظ
على تراث غزة من الاندثار، مشيراً إلى أن تكلفة ترميم المنزل الواحد لا تتعدى الـ
60 ألف دولار فقط، وهو مبلغ بسيط في سبيل الحفاظ على التراث، وهو الأمر الذي دفع
ببعض رجال الأعمال لترميم بعض المنازل بعد شراء للحفاظ عليها أو لاستخدامها
كمشاريع تجارية.
وعلى
الرغم من نجاح بعض المبادرات الفردية في الحفاظ على ما تبقى من منازل غزة الأثرية،
يبقى التحدي الأكبر أمام عدد المنازل المهجورة والتي لم تصلها مشاريع الترميم
ومهددة بالانهيار بفعل العوامل الطبيعية أو بسبب سرقة حجارتها من قبل بعض اللصوص
وتجار الآثار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.