أحمد أبو عامر - المونيتور
مدينة
غزة، قطاع غزة – بدأت الصين تحركات سياسية لافتة في منطقة الشرق الأوسط، ووضعت في
مقدمة تلك التحركات محاولة تحريك ملف السلام الإسرائيلي – الفلسطيني المجمد منذ
سنوات، عبر إعلان
وزير الخارجية الصيني وانغ يي في 24 مارس الجاري، أن بلاده ستوجه دعوات لمسئولين
فلسطينيين وإسرائيليين من أجل إطلاق حوار في بكين.
إعلان
وزير الخارجية الصيني جاء على هامش زيارة
نادرة يقوم بها لمنطقة الشرق الأوسط بدأت بالسعودية وستمتد لتطال بلدان أخرى
كالإمارات وإيران والبحرين وسلطنة عمان وتركيا وقطر، وذلك بعد فترة وجيزة من تولي
الرئيس الأمريكي جو بادين لمقاليد الحكم في الولايات المتحدة.
واستبقت
الصين في زيارة وزير خارجيتها لمنطقة الشرق الأوسط الإدارة الأمريكية الجديدة،
وعرض وانغ يي مبادرةً
من خمس نقاط لأمن واستقرار الشرق الأوسط، في خطوة تعكس الاهتمام المتزايد من قبل
الصين في المنطقة لأهداف سياسية واقتصادية، ومزاحمة الولايات المتحدة في تلك
الملفات.
الموقف
الفلسطيني الرسمي المتمثل في رغبتها توسيع الرباعية الدولية ورفضها
أن تكون الولايات المتحدة وسيطاً وحيداً لعملية السلام في الشرق الأوسط، شجع الصين
لبدء تلك التحركات، إذ تربط الجانبين (الصيني والفلسطيني) علاقات جيدة، في ظل اتهامات
السلطة الفلسطينية للإدارات الأمريكية المتلاحقة بالانحياز لإسرائيل، وتحديداً
إدارة ترامب السابقة والتي أوقفت
مساعداتها المالية للفلسطينيين، واعترفت بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ونقلت مقر
السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وأغلقت مقر منظمة التحرير في واشنطن.
مسئول
فلسطيني بارز في وزارة الخارجية الفلسطينية طلب عدم الكشف عن هويته رحب في مقابلة
مع "المونيتور" بالمبادرة الصينية، وأكد أن القيادة الفلسطينية تنتظر
تسلم دعوة رسمية من الصين للبدء في بحث النقاط التي طرحها وزير الخارجية الصيني
لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.
وأوضح
المسئول أن القيادة الفلسطينية تعول بشكل كبير على التحركات والموقف الصيني في كسر
حالة الاحتكار الأمريكي في رعاية ملف السلام الفلسطيني – الإسرائيلي، وتردد العديد
من البلدان في مزاحمة الولايات المتحدة بذلك الملف.
وبين
أن الموقف الصيني يأتي متوافقاً مع المبادرة
التي طرح الرئيس محمود عباس في أكتوبر 2020، لعقد مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط،
والذي يقوم على حل الدولتين، وهي مبادرة رحبت بها العديد من بلدان العالم وفي
مقدمتهم الصين.
لم
تمض سوى ساعات قليلة على إعلان الصين لمبادرتها حول الشرق الأوسط، ليعلن
الرئيس الأمريكي جو بادين في 25 مارس الجاري، عن إعادة برنامج المساعدة الأمريكية
لدعم التنمية الاقتصادية والمساعدات الإنسانية للفلسطينيين، وتقديم 15 مليون دولار
كمساعدات إنسانية لمواجهة جائحة كورونا وانعدام الأمن الغذائي في الضفة الغربية
وقطاع غزة.
ووصف
رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية في بيان
رسمي له الخميس 25 مارس الجاري، استعادة
الدعم الأمريكي بأنه "خطوة في الاتجاه الصحيح من أجل إعادة صياغة العلاقة مع
الإدارة الأمريكية، والتي توقفت خلال فترة حكم ترامب في البيت الأبيض، على خلفية
مواقفه من القضية الفلسطينية، المنافية لقرارات الشرعية الدولية".
الصين
التي استبقت تحركاتها في منطقة الشرق الأوسط بدبلوماسية اللقاحات، تبرعت
للفلسطينيين بـ 100 ألف جرعة من لقاح "سينوفارم" في 11 مارس الجاري،
كمساهمة منها في حملة التطعيم الحكومية الفلسطينية.
عضو
اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد مجدلاني ذكر لـ"المونيتور" أن
الموقف الفلسطيني من المبادرة الصينية لن يتوقف عند الترحيب فقط، بل ستعمل القيادة
الفلسطينية على مناقشة وبحث تلك المبادرة ونقاطها بشكل جدي، وتساهم مع الصين في حشد
موقف دولي لإنجاحها.
وشدد
مجدلاني على أن القيادة الفلسطينية ما تزال متمسكة بموقفها في رفض الولايات
المتحدة كوسيط وحيد لعملية السلام في الشرق الأوسط، وكذلك رغبتها في توسيع
الرباعية الدولية لتضم الصين.
وكان
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد كشف عن توجهات
إدارة بايدن تجاه الشرق الأوسط، والملف الفلسطيني – الإسرائيلي تحديداً، وأوضح في
19 يناير الماضي، أن الرئيس جو بادين يرى أن التسوية الوحيدة القابلة للاستمرار في
النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني هي حل الدولتين، إلا أنه سيواصل الاعتراف بالقدس
عاصمة لإسرائيل.
لم
تصدر إسرائيل أي موقف رسمي حول المبادرة الصينية حتى اللحظة، وسط توقعات أن تلتزم
إسرائيل الصمت حيال تلك المبادرة، في ظل رفضها لأي وساطة في المفاوضات مع
الفلسطينيين غير الولايات المتحدة والتي تمثل الحليف الأول لها.
المحلل
السياسي والكاتب في صحيفة الأيام الفلسطينية طلال عوكل اعتبر في حديث مع
"المونيتور" أن المبادرة الصينية تعكس الاهتمام المتزايد من قبل بكين في
ملفات الشرق الأوسط، في محاولة منها لكسر الاحتكار الأمريكي للمفاوضات بين
الفلسطينيين والإسرائيليين، وكذلك قناعتها أن نجاح طموحاتها الاقتصادية في منطقة
الشرق الأوسط مرتبط بمدى نجاحها في المساهمة بحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
وأوضح
عوكل أن التحركات الصينية ستواجه بالعديد من العقبات، لا سيما من قبل إسرائيل التي
ترى في الولايات المتحدة وسيطاً وحيداً لعملية السلام.
من
جانبها، ذكرت المحللة السياسية الفلسطينية ريهام عودة في حديث مع "المونيتور"
أن الصين تروج لنفسها كمنافس قوي للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، ورغبتها
في الإمساك بمفاتيح الدخول للمنطقة لتحقيق طموحاتها الاقتصادية المتمثلة في مشروعها
العملاق "الحزام والطريق" الذي يهدف إلى إعادة إحياء طريق الحرير
القديم، والذي كان يمتد عبر آسيا وأوروبا لنقل السلع إلى الصين والعكس.
واستبعدت
عودة أن تسجل الصين نجاحات فورية في الملف الفلسطيني – الإسرائيلي، وذلك في ظل
وجود حكومة يمينية في سدة الحكم بإسرائيل، والتي كانت السبب في توقف المفاوضات مع
الفلسطينيين، بالإضافة إلى مماطلتها في قبول أي اقتراحات جديدة لإطلاق علمية
السلام.
وكانت
مفاوضات السلام الفلسطينية - الإسرائيلية قد توقفت في أبريل 2014، بعد رفض إسرائيل
الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين القدامى، ووقف البناء في المستوطنات الإسرائيلية
بالضفة الغربية، والقبول بحدود حزيران 1967، كأساس لحل الدولتين.