أحمد أبو عامر – المونيتور
مدينة
غزة، قطاع غزة – يسارع سكان بعض القرى الفلسطينية في الضفة الغربية مع انتصاف فصل
الشتاء إلى الأماكن البرية والصخرية لجمع ما يستطيعون من "الحلزون
البري" وهو عبارة عن
كائن حي لا فقاري، وذلك بهدف صناعة وجبتهم
المفضلة في فصل الشتاء، والتي يطلقون عليها اسم "الحلازين".
الوجبة
التي تعد من الأكلات التراثية الفلسطينية القديمة، يعود تاريخها إلى مئات السنين،
إذ توارث صناعتها الأجيال الفلسطينية المتعاقبة، فيما رجحت العديد من المصادر
التاريخية أن أصل الوجبة يعود إلى بلاد المغرب العربي، وتحديداً دولتي المغرب
والجزائر وتشتهر لديهم باسم "الببوش".
الفلسطيني
أنطوان عيسى 69 عاماً أحد سكان قرية عابود غرب مدينة رام الله يروي
لـ"المونيتور" حكاية تلك الوجبة، والتي يقوم بإعدادها بنفسه كل عام،
إيذاناً ببدء الطقوس الجميلة التي تميز فصل الشتاء لديهم، إذ تجتمع الأسرة بكاملها
لتناول وجبة "الحلازين" والتي يصنعون منها أطباق
متعددة وبنكهات مختلفة.
يقول
عيسى: "بعد هطول أكبر كمية أمطار في فصل الشتاء نسارع إلى الأماكن الصخرية
غرب القرية لجمع الحلزون البري، والذي يضطر للخروج من مخبأه بين الصخور بعد هطول
الأمطار لتناول الطعام والشراب، وكذلك لوضع البيض في حفر رملية".
ويضيف:
"كنت أجمع الآلاف منها في السنوات الماضية خلال فصل الشتاء، ولكن في الأعوام
الثلاث الأخيرة، بدأت أعداد الحلزون بالتراجع في القرية جراء اقبال الكثير من
السكان على جمعه وتناوله، بالإضافة إلى قيام بعض الشبان العاطلين عن العمل بجمعه
وبيعه في بعض مدن الفلسطينية بالضفة الغربية، إذ يتراوح سعر الـ 100 حبة من
الحلزون بين 20-25 شيقلاً (6-7 دولار) تقريباً".
كميات
الحلزون التي يتم جمعها توضع في صناديق خشبية مغلقة بفناء البيت لمدة أسبوع ويقدم
لها نبات الخيار أو الخس كي تقوم بتناوله، وبالتالي يضمن عيسى أن تُخرج تلك
الأعداد من الحلزون ما في معدتها من فضلات وأعشاب كانت قد تناولتها سابقاً، ومن ثم
يقوم بإخراجها من الصناديق ويغسلها بالماء مرات عدة لتنظيفها.
وحول
طريقة
طبخها يقول عيسى: نقوم بوضع
من 400-500 حبة حلزون في قدر كبير ونغمرها بماء مغلي ونتركها لمدة ساعة على موقد
النار، ويضاف إليها بعض أنواع البهارات والملح والبصل المقطع والليمون وبعض أنواع
الأعشاب البرية ومن ثم تقدم للأكل ساخنة".
الطبق
الفلسطيني التراثي والذي بدأ يستعيد بريقه مجدداً في السنوات الأخيرة، أصبح يقدم
بشكل موسمي في بعض المطاعم الفلسطينية، ويقول ثائر شاهين الشيف في مطعم دارنا
بمدينة رام الله لـ"المونيتور": "اعتدنا على طهي وجبة الحلزون
البري في السنوات الأخيرة وتقديمه
لزبائن المطعم الذين يرغبون بتناوله".
وأشار
إلى أن الوجبة تقدم للزبائن بوصفات مختلفة، فالبعض يرغب بتناولها بعد غمرها بالماء
الساخن مباشرةً، والبعض يحب تناولها بعد مزجها بالطماطم المقلية، وآخرين يفضلونها
مع نبات السبانخ، والبعض الآخر يحب تناولها على طريقة
المطبخ الفرنسي إذ توضع أعداد من الحلزون في وعاء حراري يضاف إليها بعض الأعشاب
والبهارات والزبدة ومن ثم توضع في الفرن.
الحلزون
البري والذي بدأت أعداده بالتراجع في بعض القرى الفلسطينية، وتحديداً في القرى
التابعة لمدينة رام الله، دفع بمجلس قروي عابود لمناشدة المواطنين عبر
"المونيتور" إلى التقليل من جمعه بهدف حمايته من الانقراض، وترك المجال
أمامه للتكاثر من جديد.
وقال
حنا خوري عضو مجلس قروي عابود لـ"المونيتور" لا نستطيع منع المواطنين من
جمع الحلزون فلا يوجد قوانين تنص على ذلك"، لافتاً إلى أن هناك اقبال متزايد
على تناولها من قبل السكان، لا سيما وأن أكثر من نصف سكان قرية عابود والتي يصل
تعداد سكانها إلى 2200 نسمة يتناولون تلك الوجبة، ناهيك عن تناول العديد من سكان
القرى الأخرى وتحديداً في طولكرم شمال الضفة الغربية.
الفوائد
الغذائية والصحية التي تحتويها
الوجبة ساهم أيضاً في إقبال من يتبعون حمية غذائية عليها، وتعدد إسراء سدر أخصائية
التغذية في مركز Shoroq
Clinic برام الله فوائد الوجبة بالقول: "تعد
وجبة الحلازين مصدر مهم للبروتين والحديد والماغنيسوم والفسفور، إذ يتواجد في الـ
100 جرام من الحلزون ما يقرب من 90 سعر حرارية".
وأوضحت
سدر أن مختصي التغذية العلاجية ينصحون السيدات والرجال الذين يتبعون نظام حمية
غذائية بتلك الوجبة، فنسبة الدهون بها مخفضة جداً، بالإضافة إلى أنها جيدة للجهاز
العصبي ومقوية للدم، وينصح بها لعلاج بعض أمراض فصل الشتاء كنزلات البرد وغيرها،
ونصحت أخصائية التغذية الأشخاص الذين يحبون تناول الوجبة بألا يزيد مقدار ما
يتناوله الشخص في المرة الواحدة عن 200 جرام.
الوجبة
التي يشتهر بتناولها المسلمون والمسيحيون في بعض قرى الضفة الغربية، تأخذ رواجها
بشكل أكبر بين المسحيين، وذلك أن بعض المذاهب الدينية الإسلامية حرمت أكلها، كون
الحلزون يصنف من الحشرات التي يحرم الإسلام أكلها باستثناء الجراد.
وهنا
يشير نائب رئيس دائرة الإفتاء في رابطة علماء فلسطين بغزة محمد علوش
لـ"المونيتور" أن الفقهاء انقسموا
إلى رأيين في جواز أو حرمة أكل الحلزون البري، مبيناً أن غالبية الفقهاء مع تحريم
أكله كونه من الحشرات التي يأنف الانسان أكلها، وبذلك تعتبر من الخبائث، فيما ذهب
فقهاء المذهب المالكي إلى جواز أكلها، وذلك أسوةً بأكل الجراد الذي أحل أكله
للمسلمين.
وأوضح
علوش أن السبب الآخر في تحريم أكلها أنها تعد من الحشرات التي يصعب تزكيتها أو
ذبحها، كما هو الحال في الحيوانات التي أُحل للمسلمين أكلها بعد ذبحها، لافتاً إلى
أن تناول الحلزون البري بهدف علاجي لا خلاف بين الفقهاء المسلمين على أنه حلال،
أما الحلزون البحري فذهب جميع الفقهاء بجواز أكله، كون الإسلام حلل أكل كل ما يتم
اصطياده من البحر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.