أحمد أبو عامر - المونيتور
مدينة غزة، قطاع غزة – أثار قرار وزارة الأوقاف والشؤون الدينية التي تديرها حركة حماس في قطاع غزة والمؤرخ في 15 ديسمبر الجاري، حول الحد من مظاهر أعياد رأس السنة "الكريسماس" في قطاع غزة وتفاعل المسلمين معها حالةً من الجدل في الشارع الفلسطيني.
القرار الذي جاء كمراسلة داخلية من قبل الجهات العليا للوزارة باتجاه الدوائر واللجان الفرعية التابعة لها للقيام بأنشطة إعلامية، وإصدار فتاوى دينية، والقيام بأنشطة ميدانية في شوارع غزة للتوعية بأن أعياد الميلاد هي للمسيحيين فقط ولا علاقة للمسلمين بها.
السلطة الفلسطينية وبعض الفصائل الوطنية ونشطاء المجتمع المدني أصدروا تصريحات وبيانات منددة بالقرار، وقال وزير الشؤون المدنية الفلسطينية حسين الشيخ في تغريدة له على تويتر في 19 ديسمبر الجاري: "قرار منع الاحتفالات بأعياد الميلاد في قطاع غزة هو قرار ظلامي لا يمت إلى أخلاقيات شعبنا الدينية والوطنية والاجتماعية بصلة.. وهو إشاعة للفكر التكفيري الظلامي ويضرب أسس وحدة شعبنا واحترام العقائد والأديان وحرية الرأي والمعتقد".
وعقب مدير مؤسسة "بال ثينك" للدراسات الاستراتيجية في غزة عمر شعبان على القرار عبر حسابه على فيسبوك في 19 ديسمبر الجاري، بالقول: "المنشور الصادر عن وزارة الأوقاف بغزة بخصوص احتفالات الكريسماس يمثل انتهاكاً للقانون الفلسطيني، ويضرب النسيج الاجتماعي ويهدد الوحدة الوطنية"، ويضيف: "هكذا منشور لا يصدر إلا عن عقلية لا ترى في العالم سوى نفسها".
فيما اعتبر الصحفي الفلسطيني فتحي صباح في منشور على حسابه عبر فيسبوك القرار بأنه جريمة وطنية مرفوضة، وطالب وزارة الأوقاف التي تديرها حماس بالتراجع والاعتذار عنه، وأضاف: "على الفصائل التدخل لوضع قواعد تكفل عدم تكرارها، فنحن مسيحيون ومسلمون شعب واحد، وأعيادهم أعيادنا وأعيادنا أعيادهم ".
وإزاء حملة الانتقادات التي تعرضت لها الوزارة جراء القرار، سارعت حركة حماس لإصدار تصريح صحفي في 21 ديسمبر الجاري، عبر مدير مكتب العلاقات الدولية لديها باسم نعيم والذي قال فيه: إن العلاقة الوطيدة مع الأشقاء المسيحيين ليست نتيجة موقف سياسي أو اجتهاد تكتيكي لظروف معينة، فنحن وهم أبناء وطن واحد، ويتمتعون بمواطنة كاملة في الحقوق والواجبات.
وأضاف نعيم: "إن ما جرى هو خطأ في تعميم إداري داخل وزارة الأوقاف صيغ بطريقة ملتبسة"، رافضاً ما أسماها بحالة التضخيم والتهويل وتلبس حالة السمو الأخلاقي من قبل البعض.
وأشار إلى أنهم في حركة حماس لا مشكلة لديهم في تصويب أي خطأ أو تجاوز من أيّ كان، منوهاً إلى أن حركته تتمتع بعلاقات عميقة مع الأسرة المسيحية بكل طوائفها وكنائسها في الوطن والشتات.
ويحتفل مسيحو قطاع غزة الذين لا يتجاوز عددهم ألف شخص وينتمي 70 بالمائة منهم لطائفة الأرثوذكس، والبقية يتبعون لطائفة اللاتين الكاثوليك، بأعياد رأس السنة في كنائسهم بإقامة الصلوات، وذلك جراء منع إسرائيل لغالبيتهم من السفر إلى مدينة بيت لحم كل عام بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة منذ عام 2007، ناهيك عن الإغلاق الذي يعم الأراضي الفلسطينية هذه الأيام بسبب جائحة كورونا.
الناطق باسم وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في غزة عادل الهور أكد لـ"المونيتور" أن المراسلة الداخلية بخصوص أعياد رأس السنة يقصد بها المسلمون في قطاع غزة وليس المسيحيون، مشيراً إلى أن المسيحيين جزء أصيل من الشعب الفلسطيني ومكوناته.
وأوضح الهور أن المقصد من تلك المراسلة هو دعوة المسلمين للانضباط بالإجراءات الشرعية الإسلامية التي يجب اتباعها في هكذا مناسبات، منوهاً إلى أن بعض الجهات حاولت الاصطياد في الماء العكر وتوجيه المراسلة الداخلية إلى مقصد غير مقصدها بهدف الإضرار بالنسيج المجتمعي الفلسطيني.
ونوه الناطق باسم الوزارة إلى أن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في قطاع غزة وسائر بلاد فلسطين علاقة طيبة واستراتيجية.
وعلى غير العادة هذا العام فقد غابت مظاهر الاستعداد للاحتفال بالكريسماس عن قطاع غزة، وذلك جراء جائحة كورونا وبدء الحظر اليومي للتجوال الساعة 6 مساءً، وهو ما حال دون استيراد التجار ومحال الهدايا للبضائع بصورة كبيرة كما كان يجري في الأعوام السابقة.
حملة الانتقادات التي تبعت قرار الأوقاف جاءت على الرغم من قيام حركة حماس بزيارة وتهنئة الطائفة المسيحية في قطاع غزة بأعياد الميلاد كل عام، عبر وفود بارزة في الحركة، وفي رده على القرار قال رئيس الهيئة الشعبية العالمية لعدالة وسلام القدس وراعي كنيسة اللاتين في غزة سابقاً الأب مانويل مسلم لـ"المونيتور": "قرأت المراسلة الداخلية ولم أجد فيها ما يسيء للطائفة المسيحية، فالمسلمون لهم أعياد والمسيحيون لهم أعياد".
واعتبر مسلم أن بعض الجهات -التي رفض ذكر اسمها- تحاول أن تصطاد في الماء العكر بهدف الإيقاع بين أبناء الشعب الفلسطيني مسلمين ومسيحيين، منوهاً إلى أنهم يعيشون في هذه البلاد منذ عقود ولم يشعروا يوماً أنهم مضطهدين من أي ديانة أخرى أو من أي مكون فلسطيني.
وأضاف: "المعاناة التي يعيشها الفلسطيني المسيحي هي ذاتها التي يعشيها الفلسطيني المسلم بفعل الاحتلال الإسرائيلي وحصاره المستمر، ولأدلل على تلك المعاناة أقمت في بيتي صباح بالأمس خيمةً ترمز لحالة اللجوء الفلسطينية بسبب الاحتلال الإسرائيلي، وهي بمثابة مغارة سيدنا المسيح بالنسبة لي، وسأجعل احتفالات أعياد الميلاد بداخلها هذا العام".
من جانبه، قال المواطن المسيحي سامر عياد لـ"المونيتور": "أزعجني كثيراً القرار حتى لو أنه لم يقصد الحد من احتفالات أعياد الميلاد للمسيحيين في غزة، فنحن شعب واحد في كل شيء في المعاناة وفي الأفراح".
وأضاف: "صحيح أن حماس توفر لنا الأمن وتسهل لنا الاحتفال بالأعياد كل عام؛ إلا أن ذلك لا يعطيها الحق في منع من أراد من المسلمين الاحتفال بأعياد رأس السنة".
ويبلغ تعداد المسيحيين في الأراضي الفلسطيني وفق إحصائية صادرة عن جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني عام 2018، أقل من 1 بالمائة من مجموع السكان في الضفة الغربية وقطاع غزة والبالغ عددهم 5 مليون فلسطيني، وأرجع تقرير جهاز الإحصاء أسباب تراجع نسبة المسيحيين إلى الهجرة الخارجية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.